من ضيعة لضيعة 

لمّا الحرب بتوقع، الناس بتضيع، وبيصير عندا همّ واحد بس: تحمي حالا. في ناس بيكون عندُن قدرة وهِمّة إنُّن يفكروا بغيرُن، وفي ناس بتقول: اللهم نفسي.

وبالحرب الأهليّة اللبنانيّة، صار هيك، ومعي أنا شخصيًّا. إسمي رضا بو سعيد وعمري تمانين سنة. أنا من شويت، قاعدين بالبيت وعم نحمل هموم. يا هوين عالحرب، من زمان أحلى بكتير من هالإيّام هيدي، بيكفّي هالمرض يللّي إجا كمان.

 عشت الحرب الأهليّة، كان عمري ستّين سنة، صار في حرب وصار في قواص، إجت بنتنا أخدتنا عالشوف، يعني بالحلاش تا خلّصنا من الضرب والقواص. ولمّا وصلنا عالشوف استقبلنا حدا من قرايبنا، ولوما هيك ما فيناش كنّا كمّلنا. قرايبنا ساعدونا وأمّنولنا الأكل والمنام.

الأمّ بتعتل همّ ولادا. يعني انرعبنا أكتر من القواص. سلّفنا الهمّ لأن الولد ما بيعرفش. كان عنّا جيران كتير يحافظوا علينا ويجيبولنا أكل. وبس رحنا كمان عالشوف كتير أمنّونا بالمنامة وبالأكل. وصار يجينا مساعدات منيح. في ناس صاروا يقولوا: طلعوا عا سوريا لأنُّه هونيك فش حرب. بس نحنا ما منتركش وطنّا مهما كان. أغلى شي وطنُه الواحد. نترك أهلاتنا هون ونطلع نحنا؟

اعتزنا غراض، بعتوا لإبني تا يجيب، صاروا يقولوا ما تعطونش هودي مهجّرين شو بدكُن فيهُن. في شغلة ما بنساها طول عمري، منّن اهتمّوا فينا ومنّن كان ضايع حقنا معُن إذا رحنا من ضيعة لضيعة. ومنّن كانوا ما يحبّونا أبدًا ومنّن بيهتمّوا فينا، كل عالم شكل. هودي الناس يللّي ما اهتمّوش فينا أبدًا صاروا يكشّوا بولادنا ويقولوا: بكفّيش مهجرين جايين يتآمروا علينا. صاروا يهتمّوا وعملوها طائفيّة، كل واحد يحشد لطايفتُه. أكيد الواحد مش متل ما يكون ببيتُه وبضيعتُه بياخد حرّيتُه وما بيكون مأسور. أكيد بضيعتُه ما حدا بيزلُّه، بيكون آخد حرّيتُه غير لمّا بيكون برّات البيت. 

أوّل ما طلعنا، يلعبوا الولاد مع بعض، بالآخر صاروا يعملوها طائفيّة، يعلموا ولادُن، يقولولُن ما تلعبوا معُن. 

لبنان كان مميّز، بيكفّي الرخص يللّي كان فيه. اليوم من ساعة لساعة عم يغلّوا كل شي، ما خلّوا العالم تتنفّس. حتّى من زمان كان في محبّة مش مثل اليوم بيبعدوا عن بعض القرايب، حتى القرايب مش متل ما كانوا من زمان. يا هوين عالحرب من هالأمراض يللّي عم تجي، هيدي هلكتنا هالأمراض. من زمان بيكفي إنُّه الدولة كانت تطلّع بشعبا. اليوم بتطلّع شو في معُن بتاخدلُن هنّي. أكيد بحب إرجع للبنان القديم لأن كان في محبّة وكان في قرش الواحد يشتري إذا بدُه ياكل. اليوم وين، فَرق بعيد.