أنا من بلغاريا
ما بيجي من الحرب إلّا خربان البيوت، الدمار، القتل، التفرقة، وكل شي بشع. أمراء الحرب وملوكها هنّي الوحيدين اللّي بيستفيدوا، أما الناس العاديّين، فما هني إلّا حطب تا تولع هالحرب وتشتدّ.
صحيح إنّي مش لبنانيّة بالأصل، بس أنا متجوزة لبناني، وولادي لبنانيّة، ورح خبّر شو صار معنا إيّام الحرب، وكيف صرت إهرب بولادي بين طرابلس وبيروت، وبين بيروت وبلغاريا.
إسمي سفيتانكا تانيفا مغربل، عمري 75 سنة، ساكنة بأبو سمرا ــ طرابلس.
الحرب صعبة، الحرب الأهلية ما في أبشع منّا. إخوة بيقتلوا بعضن. ما حدا بيريدها. لأنُّه بالنهاية ما حدا بيطلع ربحان. كلنا خسرانين.
قضّينا إيام صعبة كتير. كان في قصف، كان في حواجز وانفجارات. وكان عنّا جيران بيتُن حدّ الأسانسير، زغير ومكشوف، وبس يصير قصف، يجوا لعندي، عندي بيت كبير، كوريدور طويل، ومسكر من كل الميلات. نقعد بهالبيت عالأرض، ساعة نتضحك، ساعة نبكي، فزعانين، قاعدين وناطرين، ليوقف القصف وكل مين يروح عا بيتُه.
مرّة طلعنا عالجبل، ومرّة كاريتاس عطونا بيت مفروش. كنّأ عيلتين: أنا وولادي، وجارتي وولادا وجوزا. قعدنا هونيك وصار يجينا مساعدات من كاريتاس. وعشنا هونيك فترة. بعدين لمّا خلصت الحوادث، رجعنا عالبيت. بالشتويّة نقعد بهالبيت ونتخبّى. وبالصيفيّة لمّا يخلصوا الولاد مدارس، باخدن وبروح عا بلغاريا، ومنقضّي الصيفيّة كلّياتا، ولما تجي الشتويّة والمدارس نرجع… وهيك قضينا سنين.
الحواجز كانت تخوّف كتير، لأنُّه المسلّحين كانوا ياخدوا الناس عالهويّة، إذا إسلام كانوا يضروهن ويقتلوهن، ومرّة زتّوهن من فوق أوتيل… كان في جرايم كتير. كنت شوفُن لما نروح عا بيروت، عا طريق البترون كان في حاجز للكتايب، كنوا ينزلوا المطلوبين ويعذبوهن. كان الوضع كتير بيخوّف، ما حدا بيعرف أي ساعة القصف.
مرّة كنّا ببيروت، وقالولنا إنّه في حاجز للكتايب، وما في مجال نرجع. وصلنا للحاجز، وقّفونا، وطلبوا التذاكر، جوزي كان ذكي، ما عطاه هويته، لأن إسمه علي، يعني مسلم، عطاه باسبوري البلغاري، والحمدلله تطلّع بالباسبور من هون ومن هون ومن هون، وما فهم شي. قلّه: خود يلّا روح… ولك يا محلاها كلمة روح!
مشينا شوي، وشفنا الناس كيف عم يسحبوهن من السيّارات ويضربوهن. ورجعنا عالبيت صاروا يزلغطولنا، فكّرونا رحنا فيها.
جوزي توفّى سنة 1980، كانت الحرب لسّه مش خالصة، ومن بعد ما توفّى رحنا عا أنفه.
كانت لما تعلق بالشمال ننزل عا بيروت، ولمّا تعلق ببيروت يجوا قرايبينا لعنّا.
مرّة قالولي من السفارة البلغاريّة إنّه حا تعلق علقة كبيرة بلبنان، فا أخدت الولاد ورحت عا بلغاريا، وقعدنا هونيك 5 أشهر. وسجّلت الولاد بمدرسة بلغاريّة لأنُّن كانوا زغار، وبعدين راقت الدنيا هون ورجعنا. ولادي لبنانيّة، عرب… هونيك حا يضلّوا أجانب، فا فضّلت إرجع فيهن عا لبنان. بعدين هون، الروابط بين الإخوة والعيلة والأم والبيّ غير هونيك. هونيك، الولد بيكبر شوي، وبيمشي بطريقُه. بينما هون رابط العيلة غير، في حنان أكتر. هون بيخافوا من الله، هون الترباية غير. برّا، بس يكبر شوي الولد بيمشي محلّ ما بدُّه ومتل ما بدُّه. وفي سُكْر وفي حشيش.
أنا إذا رحت عا بلغاريا كنت برتاح أكتر، لأن هونيك في أهلي وشهادتي. بس أنا فضّلت إبقى بلبنان وإتعذّب هون، لحتّى بس يكبروا ولادي يرتاحوا. أنا حافظت عا ولادي. وبالفعل، هلّاء كلُّن بيحبّوني، وكلُّن بيموتوا فيّي، وبيعرفوا قديش أنا تعذّبت تا ربّيتُن.
لا تعليق