قصّة ساسين ضو توثّقها التلميذة جينفير حدّاد من مدرسة القلبين الأقدسين- بيت شباب

إسمي ساسين ضو من بسكنتا، مواليد سنة 1955. والقصّة اللّي رح خبّرها، مليانة عنفوان وأمل وإصرار وإرادة، وما بيبقى إلّا إنُّه نتعلّم ونتّعظ. 

نحنا بلبنان، مسيحيّين ومسلمين، كنّا وبعدنا متّحدين ومتضامنين لمصلحة لبنان واللبنانيّين.  ونحنا لازم نتعلّم ونتّعظ من إنجازات رجالات لبنان، تا نحلّ كل المعضلات السياسيّة الحاليّة اللّي خالفت كلّ المبادئ والقِيَم اللّي كانت ميزة رجال لبنان الأُوَل، وعا راسُن البطريرك الحويك اللّي أثمرت جهودُه من الزيارات الخارجية، حماية أبناء بلدُه، وقِدِر ينتزع اعتراف دولي باستقلال لبنان الكبير، بعد إلتفاف كلّ المسحيين والمسلمين حولُه.

الحكاية اللي رح إحكيها، سامعها من أهلي وعمامي. ومتل ما منعرف، علقت الحرب العالميّة التانية سنة 1939، وضلّت لسنة 1945، وشاركت فيها دول كتيرة، ومات فيها ملايين المدنيّين، لحتّى وصوفوها إنها أكتر الحروب دمويّة بتاريخ البشريّة.

لبنان أخد نصيبُه من هالحرب، وصار فيه مجاعة قويّة بسبب إقفال المرافئ، وكمان المعابر البرّية. بهيداك الوقت، كان بيّي وعمامي بعدُن شباب، وبسبب شدّة المجاعة، كانوا مضطرّين يروحوا كل فترة عا سهل البقاع تا يجيبوا كم كيلو قمح أو طحين، لأن ما كان عندُن شي ياكلوه. وكانوا بيعرفوا إنُّه بعض المطارح بسهل البقاع، يمكن يلاقوا فيها ولو القليل من هالإشيا. فا كانوا مضطرّين يروحوا مشي عن طريق جبل صنّين. ونحنا من منطقة بسكنتا عا كعب هالجبل اللّي بيربط ضيعتنا بسهل البقاع. فكانوا يقطعوا مسافة 25 كيلومتر تقريبًا من خلال هالمنفذ اللّي بيطلّ عالبقاع.

بإيّام الصحو والصيف، كانت الأمور أسهل رغم التعب والشقا والمسافة البعيدة. أمّا بإيّام الشتي والبرد والعواصف، فا كانت الأمور أصعب بكتير، فا كانوا يضطرّوا يطلعوا لمّا تنفق المونة ببيوتُن، رغم كل عوامل الطبيعة وتراكم التلج عالجبال.

وبمرّة، بليلة من ليالي كانون، وبعدما طلعوا ووصلوا وجابوا طلبُن اللّي كان كمّيّة قليلة من المونة، قرّروا يرجعوا، وكان الجوّ مغيّم، والطقس متقلّب، وما عرفوا إنُّه التلج رح يفاجئُن بنصّ الرحلة، ويقفّل عليهُن الطريق. بس هنّي أصرّوا إنٌّن يكملوا تحت جنون الطبيعة وبردها وتلجها، حتّى وصلوا للبيت بعد ساعات طويلة من الشقا ومقاومة عوامل الطبيعة، بلا صبابيط بإجريهُن، لأنُّن بوقتها ما عرفوا إنُّ صبابيطُن فلتت منُّن بالتلج، وما حسّوا بهالشي، بس كمّلوا حفيانين حتى وصلوا بعد نصّ ليل، والفرحة عا وجوهُن لأنُّن قدروا يجيبوا أكل يسدّ قوتهُن وقوت ولادُن، ويحميهُن ويحمي عيالُن من المجاعة.

العبرة بهالحكاية إنُّه الشعب اللّبناني بشكل عام، وبقلب المِحَن والظروف القاسية، كان ينبض بالأمل والحياة. وبقوّة إيمانُه، وإصرارُه على البقاء، قِدِر إنُّه ينتصِر عا الظلم والقهر والجوع ويتابع مسيرة الحياة، من دون ما يستسلم أو يركع.

نحنا شعب منستمدّ قوّتنا من إيمانّا أوّلًا وأخيرًا، ومنتعلّم ناخذ العِبَر من الأحداث ومن التاريخ. 

وبالنهاية، حابب أختُم بمقطع شِعر: 

لبنان من ماضي زمانو كان                أرض الكرامة وملتقى الإخوان 

بالكون كّلو حسابنا محسوب                بفضل التآخي وقوّة الإيمان 

مسلم ونصراني مشينا دروب               ننصر الحقّ ونخدم الإنسان 

بإنجيلنا وقرآنّا مكتوب                     المؤمن مسامح والعفو عنوان 

منعيش ومنخاوي مِلَل وشعوب            ومنخدم حرّية الأديان 

ومهما على شعبك تمرّ حروب           ومهما الزمان عالوطن جار 

               بيبقى تاريخك حيّ يا لبنان