بصر وبصيرة
جدودنا وبيّاتنا كانوا بيحكوا قدّامنا عن لبنان بعد 1920. وبيخطر ببالي دغري الإنتداب الفرنسي يللّي كان بالبلد، وقدّيش تعذّب الشعب اللبناني وقدّيش انظلم، وقدّيش تعرّض لظلم وضرايب وتعذيب، لحدّ ما صار الاستقلال وفلّت الجيوش من البلد. بس اللّي منخبرُه نحنا، عن مرحلة كنّا فيها، وعشنا تفاصيلها.
إسمي ربيع، ورح خبّر عن مرحلة عشتها، وعن شغلات صارت معي شخصيًّا، بحرب ما عرفت كيف خلصت إلّا بطلوع الروح.
الحرب الأهليّة بلبنان علقت سنة 1975، تأجّجت الأحقاد، وتقطّعت أوصال البلد: إبن الشمال معاش نزل عالجنوب، إبن الجنوب معاش فيه يطلع عالبقاع، وإبن الجبل معاش فيه ينزل عا بيروت. صار في خطف عالهويّة، وإنفجارات وأحداث… والعالم قضّت إيّاما بالملاجئ هربًا من القصف والصواريخ وإنفجارات السيّارات… كتير أبريا راحوا عالطرقات.
صارت معي تجربة خاصّة: كنت أنا ومجموعة شباب ماشيين بالحرش بضيعة لبنانية بالجبل، فجأة بيدعس شب معنا عا لغم أرضي وبينفجر. أنا انصبت بوجّي وفقدت نظري كلّيًا بهيداك الوقت. تعذّبت بحياتي. مرتي وأهلي وقفوا جنبي، وأصحابي ساعدوني شوي، أكيد كان ظرف أليم وصعب: شبّ بأوّل عمرُه يصير معُه هيك، مش هينة. فأهلاتي ومرتي لعبوا دور كبير تا صرت اتأقلم بوضعي الجديد، ولحتّى طلعت منّا، وصارت حياتي طبيعيّة.
الواحد ما لازم ينجرّ لدولة معيّنة، ولا لزعيم معيّن. اللبنانيّة لازم يكونوا إخوة، وينبذوا الطائفيّة، لأن أكيد الخسارة علينا نحنا مش عالمسؤلين. هيدا شي طبيعي.
لمّا صارت معي هالأصابة، أحد الأشخاص إجا لعندي وصار يحكيني: نصيبك هيك ومش لازم الحياة توقف، إنت بعدك بأوّل عمرك. شجّعني فوت بمدرسة المكفوفين. إي، تعلّمت القراية والكتابة، تعلّمت الطباعة عالبرايل (أحرف نافرة)، تعلّمت المشي عالعصاية وتخطّيت هيدي المرحلة الحمد لله، رجعت إنسان شبه طبيعي، وعايش حياة عاديّة.
نصيحتي للجيل الجديد، إنُّه ينبذه الطائفية، وبالبلد نعيش إخوة مع بعضنا، وما نلحق مسؤولين، وما نتركُن يقرّروا عنّا.
اللّي بيخلّي لبنان مميّز، إنُه يكون علماني، ويصير عنّا حكم مدني، وكلّ المسؤولين يتخلّوا عن مناصبن. ويسلموا هالبلد لجيل الشباب، الجيل الطالع، ونشوف الرجل المناسب بالمكان المناسب، ونفصل الدين عن السياسة. هيك بيصير بلدنا بلد مميّز.
لا تعليق