حكاية مسعف
شريط ذكريات مميّز بيحمل كتير، فيه ذكريات أليمة بتمنّى ما تتكرّر، وفيه ذكريات بتحمل عبرة تا نخفّف من وجع الناس.
إسمي شريف أبو دهن، مسعف متطوّع بالصليب الأحمر من سنة 1972 لليوم، 48 سنة من العطاء المستمر.
كان للصليب الأحمر دور كبير رغم النقص بالآليّات والمعدّات والحكما، وكان إلُه دور كمان بتأمين الطعومة واللقاحات. كنّا أوقات نتنقّل مشي عا إجرينا ونروح عالبيوت لتقديم المساعدة. وبذكر وقتا كتبت الجريدة: “دولة الصليب الأحمر في حاصبيا”، حتّى صارت هالمؤسّسة مقدّسة عند كتار.
سنة 1982، لمّا فاتت “إسرائيل” عا لبنان، صار في إشتباكات جوّية بين الطيران الإسرائيلي والطيران السوري، ووقعت حاصبيا تحت زخّ الرصاص، وتضرّرت حارتين بحاصبيا الفوقا وصفيفا. وكان مركزنا بحيّ معرّض للقصف. خطر عا بالي ننتقل عا طابق مهجور وأرضي حدّ القايمقاميّة، وحوّلناه لمستشفى ميداني. كان عندي بالمركز سبع مسعفين وسيارتين إسعاف. كلّفت مسعف سايق للحارة الفوقا، وأنا الوحيد عم قطّب، وبيساعدني حكيمين كبار بالعمر، (صاروا بعدين يستدعوني تا ساعدُن بأعمالُن الطبّيّة).
بدقايق قليلة صار عنّا 46 إصابة، والناس عم تصرّخ. وأنا وسبع شباب عم نعمل كل شي.
بهالمعمعة، وكان العرق يزرّ منّا والشباب مشغولين، بيقرّب شبّ بعد ما راح تلات مرّات تا يجيب منصابين، وقلّي: ” شريف، بدّي روح عالبيت”. كان إسمُه فوّاز زلوم. صرخت فيه: “هلّاء؟! بهي اللّحظة؟! شو في بالبيت؟”. كنت كتير منفعل. قرّب منّي وقال: “لمّا رحت جيب أوّل نقلة من المصابين، شفت بيتي عم يحترق، وفضّلت جيب الجرحى وساعدُن، وتركت البيت واللّي فيه”. ساعتا انفعلت وصرخت بوجُّه لحتّى يلحّق شو ضلّ من بيتُه.
مرّت عا هالحادثة أكتر من أربعين سنة، وبعدني بردّدا لأنّا تركت جوّاتي مشاعر كتيرة.
بهاللحظات المؤلمة، بينسى المسعف حالُه ووجعُه، وبيصير عندُه واجب الإنسانية والعطاء أولوية. والعمل الإنساني إنّك تعيشه، والعمل الإسعافي شعور لا يوصف، هوّي ذاتُه فرح العطاء.
لا تعليق