حكايتي عن المغفرة
الإنسان بيمرّ بكتير ظروف، منها المنيحة ومنها البشعة. بس في أوقات، بيوقف وِجّ لَوِجّ مع الخطر، أو يمكن الموت. بهيديك اللحظة بالذات، يمكن ما بتخطر ببالُه إلّا المغفرة… المغفرة إلُه، وللشخص اللّي سبّبلُه الأذى. وحكايتي أنا عن المغفرة.
إسمي جوزيف ميلاد كرم من قرطبا، ولدت سنة 1935، وضلّيت بقرطبا لسنة 1950. بهيداك الوقت مِرِض بيّي وتوفّى، وصرت فكّر كيف كمّل حياتي وحدي وإبني مستقبلي، ففكّرت إتجوّز، وتعرّفت عا رفيقة حياتي وهيّي فلّة سركيس عطا الله من قرطبا، وكانت أسعد الإيام اللّي مضّيتها معا؛ ورزقني الله منها 6 ولاد: 3 بنات و3 صبيان. ربّيناهُن بخوف الله وبالأمان والسلام، لحتّى إجت سنة 1975، وبلّشت حرب لبنان المشؤومة. كنّا نقضّي أوقات صعبة وأوقات سهلة، وكنّا دايمًا نفكّر لقدّام، ما نتقيّد بالماضي، حتّى نبني حياة جديدة إلنا ولولادنا… وهيك مضّينا هالإيّام حتّى سنة 1978.
وبيوم، كانوا ولادنا عند ستُّن بقرطبا مهربينُ، من القذايف، وقرّرت أنا ومرتي إنّا نزورُن ونتفقّدُن ونأمّنلُن احتيجاتُن. وبالطريق، وصلنا عا محلّ فاضي، فيه حراش بس، وفجأة، ولعت الدني بالرصاص، وانحرفت السيّارة عن الطريق لأنّي ما قدرت هدّيها. وإجتني رصاصة بنصّ رقبتي، ورصاصتين بخاصرتي ورصاصتين بإجريّي، ورصاصتين بإجر مرتي اللّي خبط راسها بقزاز السيّارة.
هون صرت فكّر بولادنا، كيف رح يربوا، وشو رح يعملوا لمّا يعرفوا إنّا متنا. حزنت كتير وقلت ما بقا إلنا إلّا القدرة الإلهيّة. وصرت فكّر بالسيّدة الحرزمانيّة العدرا مريم بقرطبا، أنا متعبّدلها كتير، وصرت فكّر إنُّه المساعدة ما حا تجي إلّا منها. فا حسّيت بنكزة دبّوس، ووعيت، وعرفت لحظتها إنّي مش رح موت، لأن هيدي إرادة ستنا العدرا مريم.
وصلوا الناس لحدنا، وطلّعونا من السيّارة ونقلونا للمستشفى اللّي انتلت بسرعة بالقرايب والأصحاب من قرطبا، وصرت إسمع ضجيجُن وسؤالاتُن: جوزيف ميلاد ينصاب وهوّي ما إلُه عدو؟
الدكاترة صاروا يقولوا إنّي منصاب كتير، وإنّه يوقفوا المعالجة، فقلتلُّن: لو بدّي موت كنت متت بقرطبا مكان الحادث، وما كانت أنقذتني العدرا.
وصرت أتحسّن تدريجيًّا يوم بعد يوم حتّى تعافيت أنا مرتي، كلّه بقدرة الله. ووقتا صاروا الناس يسألوني: شو صار؟ ومين؟ وليش؟ ومين قوّص عليك؟ وأنا قلُّن: والله ما عندي عداوة مع حدا، أكيد اللّي قوّص علينا، عمل هيك بالغلط، لأن سيّارتي أميركيّة وبتشبه سيّارات زعما المنطقة، فانغشّوا فينا.
وقالولي: شو طلباتك من يللّي قوّصوا عليك؟ وجاوبتُن: ما بدّي منُّن شي، وما بدّي إعرف مين هنّي، لأنّي متأكّد إنّي مش المقصود. عندي ولاد رح يكبروا، وإذا كانوا قاعدين مع حدا بيحبّ الفتنة وقلّن هيدا اللّي قوّص عا إمّك وبيّك وإنتوا ماعملتوا شي، فا بيوقعوهن بمشكلة نحنا بغنى عنها. وحتّى لو جبتولي اللّي قوّص أنا رح سامحه لأنّه ما كان قاصدني.
فيا ريت لو كل الناس تسامح وتغفر، وما تزرع الحقد بقلوب الغير، وبالأخصّ الأجيال الجديدة.
لا تعليق