وِرْتِة أنطوان
الواحد منّا مهما تغرّب وسافر، لا بدّ إنُه يرجع عا بلدُه… بلدُه اللّي حضنُه، بلدُه اللّي إلُه حقّ عالإنسان، وما بيعرف قيمة هالحقّ، إلّا اللّي بيتغرّب.
حكايتي عن حالي، أنا اللّي حملت ولادي وسافرت لبلاد برّا بسبب الحرب البشعة اللّي مرقت عا لبنان. حرب ما خلّت حدا ينام ببيتُه، ولا يتهنّى بعيشتُه.
إسمي شارلوت حدّاد فرحات، عمري 72 سنة، وهلّاء ساكنة بإنطلياس، بالبيت يللّي خلِقْت فيه.
مهنتي هيّي غرامي، أمينة مكتبة مختصّة مش عامّة، جامعيّة، ويللّي هيّي بكلّية الحقوق بالجامعة اليسوعية. تزوّجت أنطوان فرحات سنة 1972، بس بي 4 أيّار سنة 1980، صار مع أنطوان انفجار بالراس فجأة، وكان كتير قوي. بعد 10 إيّام بي 13 الشهر، توفّى أنطوان. ومتل ما دايمًا، بس بيترك حدا، بيترك وراه ورتة، وورتة أنطوان كانت تلات ولاد، وكان صرلنا 8 سنين مجوزّين: جنين 4 سنين ونصّ، جوزيف سنة ونصّ، وزانة 7 أشهر.
أهم شي يللّي تركُه أنطوان، أكيد الولاد يللّي هنّي حياتي، وكانوا خشبة خلاصي، وأوّل خشبة كانوا هنّي. وتركلي هالعيشة. 8 سنين يلّي عمّرناها سوا مدماك ورا مدماك، يللّي تعلّمنا فيا الحبّ والمحبّة الحقيقية، اكتشفنا مسيرة روحيّة كتير حلوة، وأهم شي تركلي جواب عا سؤال سألتُه ياه قبل جمعتين قبل ما توفّى: شو معنى الموت؟ لأنّو أنطوان كان ناطر إمُّه المريضة تتوفّى، فهوّي سبق إمُّه.
أوّل شي إنُّه هالورتة كانت بين إيديّي، وكان وقت بلّش إستعملها، بلّش إختبر إرادة الله وبلّش قول إنت بيّي وأنا بين إيديك وأنا مستعدّة لكل شي. كان عندي شجاعة وإيمان عن صحيح من السما. ما كانت طبيعيّة…
بلّشت على مدّة 9 سنين إشتغل أمينة مكتبة لسنة 1989، فتلفنتلي إختي اللّي متجوزة بفرنسا وقالتلي: هلّاء بتجي عا فرنسا وبتجيبي الولاد وبتجي. وكانت القذايف متل الشتي، وأنا هَوْني بزاوية أنا وتلات ولاد، الموت كان رح ياكلنا. أخدت الولاد بالبابور عا قبرص، ومن قبرص بطيّارة عا فرنسا. بعد شهر ارتحنا بفرنسا فيه. وبآب وبأيلول كانت الحرب مستمرّة لحد ما صار اتّفاق الطائف وراق البلد، مش راق، وقفت الحرب.
عشت بفرنسا، حطيت الولاد بالمدارس واستأجرت بيت بس بعد عذاب شوي. قضّيت سنة عم إعمل تجديد معلوماتي على المكتبات وعلى شهادتي بالحقوق، أنا عاملة حقوق بالجامعة اليسوعية. قلت إذا بعمل توثيق مكتبات قانونيّة أو دراسات قانونيّة. تعلّمت كومبيوتر وعملت نفضة تكنولوجيّة وأنا عمري 40 سنة تا إقدر فوت بسوق العمل بفرنسا.
لقيت بهالسنة كلّا شهر واحد إشتغل فيه، دفعلي أجار البيت 7000 فرنك بهيديك الإيّام، عملت بديلة عن سكرتيرة. وآخر نهار وأنا وراجعة عالبيت، تطلّعت عالشارع حدّ بيتي وكان القمر مكتمل، إجتني رغبة صلّي لأنُّه هيدا آخر نهار شغل، ومصرياتي عم بيدوبوا شوي شوي. كنت جايبي معي نتفة مصاري، إمّي ساعدتني، إختي ساعدتني، عمّي ساعدني، بس إذا ما عندي مدخول ثابت ما فيّي إقعد بفرنسا. صلّيت من قلبي… ووصلت عالبيت.
قالولي الولاد، تلفنلّك فلان إحكي معُه. وكان موعد شغل… متل كأنُّه الله شفق عا قلبي وعا عذاباتي وقلّي: هلّاء تطّمني شوي واشتغلي. اشتغلت 15 سنة، وجمّعت مهارات تكنولوجيا من جميعُه. بأوروبا بيتعلّم الواحد، وبيكتسب اختبار الغربة، اختبار الشوق للبلد وللأصحاب. أنا قضّيت أربع سنين كل يوم إبكي أنا ورايحة عالشغل بِالمِترو، وقول نشكر الله ما حدا بيعرفني وعم يشوف دموعي عم تكرج.
بس خلّصت شغلي بفرنسا، رجعت عا لبنان، كبروا الولاد وتجوّزوا وصار عندن عِيَلُن، وكل واحد عندُه مسيرتُه. رجعت عا لبنان؛ وبرجوعي كان عندي مشروع حياة، إعطي من وقتي وإعطي من مهاراتي وخبرتي لخدمة المؤسّسة يللي مديرتها صاحبتي، ويمكن متل إمّي. هيّي يللّي حضنتني أنا وولادي وإمّي وعمّي ومرت عمّي وبيّي. هيدي مش مؤسّسة بس، إنما أكتر. وبعدين، بتنبنى العلاقة وبتصفّي علاقة إنسانية. أهمّ شي الواحد يكون عندُه مشروع حياة. أمّنت هالمشروع الحياة.
كل واحد منّا بيحبّ بحياتُه يجمع شي؛ يللّي بيحبّ يعمل رصيد بالبنك ليش لاء؟ المصاري شغلة مهمّة. بس يللّي أهم شي بحب قولُه للشبيبة من خبرتي، إنُّه الواحد يعمل بحياتُه رصيد قِيَم، لازم يشتغل عالقيم وعالمرجعية، يكبّرا بقلبُه ويعيشا وما يتخلّى عنها. هيدا أهم رصيد بقلبكُن وبحياتكن، وبالمشاكل يللّي رح تمرقوا فيا، وما ننسى إنُّه كل ما يكون في مشكل بيكبر هالرصيد، وكل مرة بتُستَعْمَل قيمة جديدة.
لا تعليق