49 ليرة
من وَلَد لِسّا ما وصل لعمر الشباب وقرّر يتحمل مسؤوليّة أهلُه وإخواتُه، لعسكري بالجيش خدم أكتر من تلاتين سنة، وقرّر يتحمل مسؤوليّة وطن بكاملُه… حكاية عن عمر راح، مليانة أحداث وذكريات، منها الحلو، ومنها البشع اللّي منتمنّى ما يتكرّر.
إسمي سمير الشامي، مواليد سنة 1937، ورح خبّر قصتي اللّي يمكن تشبه قصص ناس تانيين.
كنّا نحنا بالضيعة، معنا مصاري وعنّا أراضي متلنا متل هالعالم، بيّي بيشتغل بالتجارة. وبيوم من الإيّام انكسر بالتجارة، فقِرْنا. وفي مرّة، كنت جايي من المدرسة بدّي إتغدّى، بيعطونا فرصة عالغدا الساعة 12. قلتلّا لإمّي: بدّي آكل. قالتلي: يا إمّي ما في أكل. قلتلّا طب حطّيلي خبز وزيتون. قالتلي: ما في خبز، وصارت تبكي. قلتلّا: حطيلي حبتين تلاتة زيتون. كَلْتن، مُرّين، ورجعت عالمدرسة.
تاني يوم، قرّرت بدّي إشتغل، رحت لعند صهري عا وادي شحرور، قللّي: هون شو بدّي شغلك بوادي شحرور، كلّا بساتين وجنينات، وبعدك ولد زغير عمرك 13 سنة. شوي رجعت عا هالضيعة.
بيوم من الإيّام، كان صهري شوفير محدلة بيشتغل عالطرقان، قللّي: يا سمير، تبقى قوم بكّير الصبح تا تروح معي تشتغل عالطريق. انبسطت كتير، أنا بدّي طلّع مصاري لإمّي وبيّي. عندي إمّي وبيّي وإخواتي تنين زغار، وأنا عمري 13 سنة، وعندي خيّي بالجيش بعيد بمرجعيون، كل شهرين تلاتة يودّيله لبيّي 25 ليرة، شو بدّا تعملنا.
رحت عالشغل مع صهري عند معلّم إسمُه إدوار صليبا، اشتغلت تلات سنين عالطريق، ويوميتي ليرة، روح من الصبح لعشيّة. في دكّنجي سمانة جنب منّا، قلتلّه: يا أنيس، شوف شو بدُّه بيّي اعطيه، ياخد سمنة ورز وسكّر وبنّ.
إجا يوم، قللّي بيّي: بدّي كبّرلك عمرك ودَخْلك بالجيش. وكبّرلي عمري ودخّلني عالجيش، صرت إقبض 49 ليرة شهريّة بالجيش، ودّي نصُّن لأهلي، ونصُّن إصرفُن أنا كشبّ ببيروت بيروح وبيجي مع هالشباب. بعدين تجوّزنا وربّينا خمس ولاد، وكتّر خير الله ماشي الحال لحدّ هلّاء.
وفي نهار، كنّا مأذونيّة بالضيعة أنا وعيلتي تا غيّرلُن شويّة جوّ. بعد يومين تلاتة، إجتني برقيّة إنّي إلتحق بالمركز تبعي. جينا من الضيعة عا بيروت. حرب وقواص وقتلى وجرحى بهالأرض ودبح عالهويّة. ما عرفت كيف وصلت عا بيتي، لبست تيابي وطلعت عالثكنة، صرنا نروح مهمّات، رحنا مهمّة عالجبل، طلّعنا ذخيرة عا قلعة راشيّا اللّي كانت مطوّقة من قبل الفلسطينيّة سنة 1973، واشترك معنا طيران الميراج ومدافع الـ155، والدبّابات والملّالات، لأمّنّا ذخيرة لقلعة راشيّا. بقينا شي تلات ساعات أربع ساعات تا قدِرْنا وصلنا عا راشيا، انجرح معنا تلات أربع عسكريّة، الدبّابة تصاوبت بِآر بي جي من هيدا العسكري الليبي. وطلعنا عالقلعة، ولمّا وصلنا لقينا العسكر؛ هيدا رابط إيدُه، هيدا رابط إجرُه، هيدا رابط وجُّه، هيدا متصاوب، وتعبانين وجوعانين، لا في عندُن ذخيرة وما عندُن شي بنوب. صرْنا نفرّق ذخيرة، قالولنا قعدوا ارتاحوا إنتو، نحنا منفرّق ذخيرة. نزّلوا الذخيرة، وشرّبونا فنجان قهوة وقنّينة بيبسي. ورجعنا نزلنا من راشيّا عا بيروت.
نحنا ونازلين، شفنا القتلى الفلسطينيّين والليبيّين، شي 60 أو 65 واحد، وقتا ماتوا من الميراج والـ155. وصلنا عالثكنة الساعة 10 بالليل، قالولي اتّصلت فيّي مرتي من الضيعة وتقول: وينو زَلَمتي، وينو جوزي؟ قالولا راح مهمة. أنا اتصلت فيها، هيّي تبكي وتسألني وين رحت ووين غبت، قلتلّا يا عمّي كنّا بمهمّة سرّية شو بدّك إنتِ منّي؟ وصارت تبكي هيّي وهالولاد.
قعدنا بهالثكنة أربع خمس إيّام لحتّى راقت هالدني، رجِعْت أخدت مأذونيّة، وطلِعْت عالضيعة وفهمّتا لمرتي القصّة كذا كذا. إنُّه حرب. جعنا وتعبنا، ما نعرف الليل من النهار، العسكري بدُّه يتعب.
بعد يومين تلاتة، تلفنولي مرّة تانية، قالولي في مهمّة، استدعوني عالثكنة، التحقت وصرنا نقاتل بهالجبال والوديان. وحاربنا، إنُّه نحنا عسكر وبدنا نحامي عن وطنّا. شوي صرت أنا محتار؛ بدّي ودّي مصاري لولادي عالضيعة، لا معُن مصاري ولا شي. ولادي جاعوا، مرتي جاعت، كيف بدّي ودّيلن مصاري لحتّى ياكلوا، وبطلّت أعرف النهار من الليل. وهيدي كانت حياتنا لحدّ ما خلصت الحرب. وهلأ منرجع نقول: كلّنا للوطن، وطن الشرف والتضحية والوفاء.
لا تعليق