من بيروت لقبرص
إذا الواحد بيتهجّر من ضيعة لضيعة، من منطقة لمنطقة، بيتضايق. فا كيف بيشعر لما يضطر يترك بلدُه عا بلد تانية؟ الحرب الأهليّة بلبنان ما خلّت شي بشع إلّا وجابتُه. ومن ضمن هالإشيا البشعة، التهجير… وحكايتي اليوم عن التهجير.
إسمي ماري زينون، عمري 69 سنة. رح إحكي عن حرب 1989 ـــ 1990، بين الأحزاب والدولة. لمّا صار في قصف بالمنطقة. كان عندي ولدين زغار، البنت كان عمرها تلات سنين، فا صرنا نتخبّى بالحمّام قاعدين فوق بعضنا خمس ست أشخاص. وكان موسم الجدري، وواحد من الولاد كان معه جدري، وعدي التاني. تضايقنا كتير وتعذّبنا كتير. فا قرّرنا نسافر. بعتت ورايي خالتي اللّي قاعدة بقبرص تا نروح فرصة جمعتين نرتاح من القصف، وما كان في مطار. بعد أخذ وردّ، قرّرنا نروح عا قبرص بالباخرة من جونيه. الباخرة كمان كان مشوار كتير صعب لأنه رحنا بالشختورة من الشط لنصّ البحر، هنيك نزلنا تا نفوت عالباخرة الكبيرة وكان في كتير خطر عا حياتنا.
زادت الأوضاع بؤس، كنت عا وشك الإنهيار، صحيح إنّي وولدين بعاد بالهجرة عند قرايبيني، بس كنت حسّ كتير بالغربة. لأنّه هنيك كنّا ناكل كل شي، ونضهر نشم هواء نضيف ونروح عالبحر، هون مزروبة. بقبرص الحياة حلوة، والولاد مبسوطين، كلّن بالمدارس، اضطرّينا نحطّن بالمدارس عا أساس إنّن بيتسلّوا شوي وبيقطعوا شوي وقت لنرجع. وهونيك الدولة بتستقبل ولاد من حياللا جنسية والمدارس مجانية، مدارس دولة مستوى رفيع جدًّا. وبعدين صارت تزيد الحرب بلبنان، وكانوا الولاد صرلن شي ست سبع أشهر بالمدرسة، قلنا خلّينا نقطّع هالسنة تا نشوف شو بدنا نعمل.
ضلّينا بقبرص وصرنا نشتغل. اشتغلنا كتير إشيا لأن مجبورين، ما فينا نتّكل عا يللّي عم ينبعت من لبنان. كل شي كان مسهّل،، بس بيضلّ الواحد يحنّ لبلده، ويشتاق لأهله. وبهالوقت، انقصف بيت أهلي، وما كان في تليفون كمان، كنّا نروح عالسفارة لإسأل عن فلان وعلان، لإسأل عن جوزي وأهله وإمّي وخيّي. كل ما شوف حدا أو إسمع حدا عم يحكي عربي إسأله عن لبنان إذا بيعرف حدا من لبنان أو سمع شي عن لبنان. وكانوا يحطّوا عالراديو أسماء أشخاص راحوا بالقصف.
قطعت شي سبع تمان سنين، وصرنا بين نجي وما نجي لكان إبني أخد الشهادة. وبس أخدها جينا لهون. تغيّرت علينا كتير أمور. حتّى كنّا نستحلي نعمل ديليفري لأنّه ما كان في ديليفري سنة الـ90.
بس رجعنا عا لبنان، وبعد شي سنتين، رجعنا نتأقلم بالأجواء وبطريقة الحياة مع الناس. بقبرص كنت عايشة لحالي وعا رواق. هون بلبنان قرايب وحكي وقال وقيل، بس بتضلّ أحلى من الغربة.
ضلّيتني إتذكر قبرص عا كذا سنة، وضلّيتني عا اتصال بقرايبيني، وبعدني لهلّاء عا اتصال معن. صحيح كان في أمان وسلام وفي مصاري وهيك. بس حياة الغربة صعبة، أكتر شي من الميلة النفسيّة. ونشالله بتنذكر وما بتنعاد وما حدا يسافر وما حدا يتبهدل، وتوعا الناس عالإشيا يللّي عم بتصير معن، وما ترجع الأمور تتكرّر.
نصيحتي للجيل الجديد إنّه ما يلحق ولا سياسي. لأنّه أيّ زعيم سياسي اليوم بيكون أبيض بكرا بيصير أسود وإنت بتروح عليك. كل واحد بيلحق مصلحته. بيحكوا على التلفزيون شي وللشعب بيقولوا شي بالمخفي. وناس بتصير تلحقن وبتحلف بإسمن، بتحلف براس الزعيم وبيكرهوا غير ناس، وبيرجعوا بالآخر الزعماء بيتّفقوا مع بعض والناس بيصيروا كرهانين بعض.
بالسياسة لازم يكون في مبادئ، مش لازم يكون في تزعّم. أو متل الخروف يلحق الخروف الكبير، وإذا زتّ حاله الخروف الكبير بالبحر بيلحقوه كلّ النعاج. مشان هيك، إذا واحد شوي غشيم بيقولوا عنّه خروف، نعجة، بيلحق غيره. نصيحتي ما حدا يلحق حدا. وكل إنسان يلحق طموحاته وياخد مبادئ بالحياة ويمشي عليها. ونشالله هالحرب ما بتنعاد. بس الشرّ موجود، وفي ناس ضعيفة النفوس بيغريها الشرّ.
لا تعليق