المســامحة بتشـفي
أوعى تفكروا بيوم من الإيّام إذا عفيتوا عن يللّي ظلمكن، معناتا إنكن ضعاف! بالعكس، باللحظة اللّي بتسامحوا فيها الظالم، بتتجلّى فيكن القوّة، وبيشعّ منكن نور المحبّة.
القصّة اللّي رح خبّركن هيّي، قصّة مظلوم قوي، وظالم ضعيف. قصّة شخص بيختصر وطن… وطن نزف كتير، وبَعده عم ينزف، وجرحُه ما بيلتئم إّلا بالمسامحة.
اسمي نهاد سليم، ساكنة بالضبيّة وعمري 65 سنة.
عندي عن الحرب كتير خبار بشعة، بس عندي خبرية حلوة فيها حبّ وتسامح.
كان عندي خيّ بالدرك، قبضاي كتير، وكان وين في مشاكل يزتّ حاله. كان في أحزاب متخانقة بين بعضا، راحوا الدرك تا يهدّوهن. في حزب وقّف قواص، وحزب ما وقّف، وصار بدّه يركّع فرقة الدرك كلها. ركعوا كلّن سوا، حتّى الظابط ركع، إلّا خيّي ما ركع، وقلّن: “أنا هون ما بركع”، قد منّو شهم وقبضاي ورجّال.
في أزعر من هيدا الحزب كان قاعد عا سطح المركز، بدل ما يقوصه بإجره أو بإيده، قوّصه بنصّ دين قلبه لأنّه ما ركع. يا ريته ركع. لأنّه بمَوْتِة خيّي دمّر عيلة. مش مزبوط إنّه واحد بيموت والإيّام بتِنْتَسى، دمّرا للعيلة بكامِلا أمّ وبيّ وأخوة، خاصّةً إنّه خيّي كان عنده كاريزما وهوّي المسؤول عن كلّ العيلة.
مرقت الإيّام والسنين، وأهلي رفعوا دعوى عالأزعر بس ما تابعوها. لأنّه أزعر، ساعة برّا، ساعة يهرب من الحبس… فلمّا صار في دولة وإجا الياس الهراوي رئيس، وقال بدّه يعمل دولة قويّة، وبلّش بحكم الإعدام، وعدموا كذا واحد ــ مع إنّي ضدّ الإعدام ــ الأزعر لقطته الدولة وطلع فيه حكم إعدام. إجا حدا من قِبل أهله لعند بيّي، وبيّي ما معه خبر أصلًا إنّه نحبس وبدّه ينعدم. تفاجأ، وقلّن: “ييه، بدّه ينعدم؟ كيف؟”. قالوله: “إي بدّه ينعدم”. بكي بيّي وقلّن: “بيّه وأمّه بعدن طيبين؟”. قالولوه: “إي”. هون تأثّر بيّي وقلّن”: “أكيدي أكيدي أنا ضدّ الإعدام، وهلّاء بعملّه تنازل وبسامحه لأن ما بدّي أمّه وبيّه يبكوا وينحرق قلبن”.
خيّي كان عظيم كتير وما بينوصف. المحامي تأثّر شو عمل بيّي، ما أخد معه وقت إنّه يحكي معه ويترجّوه يتنازل، أبدًا. سأل سؤال إنّه هوّي بالحبس وعنده أهل وبدّه ينعدم؟ عالسريع سامحه كرمال أمّه وبيّه. قلّه المحامي: “يا عم، شو بتريد مقابيل هالشي اللّي عملته؟”. هون جنّ بيّي وبكي وعيّط عليهن وطلع خلقه ساعتا. بيّي كان رجّال وقبضاي من الرجالات العتاق اللّي عندن شهامة وأخلاق. قلّن: “أنا دم إبني ما بتساويه كنوز الدني، وأكيد إبني رح رَيْحُه. لأنّي سامحت هالشخص إبني رح يطلع عا السما”. لأنّه بيّي كتير مؤمن وشهم وملتزم بربّه.
الجبان ما بيقدر يسامح، ما بيسامح إلّا اللّي قلبه كبير ومؤمن وكريم.
في ناس أشرار وفي ناس خَيْرين. بعزّ دين الحرب كان لبنان حلو لأن في تمازج، لبنان حلو والله خلقه بطبيعته حلو، ونشالله الناس تبقى ملتزمة بتقاليدنا. هيّي تقاليدنا كتير حلوة، والتنوّع حلو بلبنان، لبنان التاريخ الحيّ.
لا تعليق