حكاية أمي
الإمّ اللبنانيّة، أثبتت بكل الأوقات إنها جبّارة، وهالشي متأكدة منُّه، لأنّي واعية عا إمّي كيف حمتنا، وعلّمتنا، وربّتنا وحافظة علينا، بأسوأ مرحلة مرق فيها لبنان… الحرب الأهليّة. وحكايتي هيّي عن مرا بطلة، مرا جبّارة، قدرت بعرق جبينا وعنفوانا إنّا تربّينا وتعلّمنا، رغم إنّا ترمّلت بكّير… هالمرا هيّي إمّي.
إسمي منى مخايل، من كور البترون، مواليد سنة 1972. إسم إمّي جاندرك فارس وعمرا 85 سنة. نحنا كنّا عايشين بالشمال بكور البترون. بذكر كنّا صغار، وفات الجيش السوري عالمنطقة وقتلولي بيّي وخيّي. إمّي وقتا كان عمرا شي 32 سنة. صارت أرملة لحالها مع أربع ولاد، الكبير فينا كان عمرو 14 سنة وأنا كان عمري شي تلاتة أو أربع سنين. إمّي، كتير اشتغلت، اشتغلت بشو ما كان. كانت تزرع، وولا مرّة حسّستنا بشي إسمه جوع، عطول نفتح البرّاد يكون مليان، خبز، أكل، كل شي.
ما كنّا نحسّ بالجوع. بس كنّا نخاف إنّه معقول شي نهار نبطّل نتعلّم. تضلّ إمّي تقول: هلّاء عم ناكل وعم نتعلّم بكرا الله بيدبّر. ما تعتلوا هم. نحنا علينا نصلّي ونمشي… عا نيّة الله.
وقتا تهجّرت الضيعة، كانوا ولاد الضّيعة من حزب معيّن. فلّوا من الضيعة وصار في حواجز وصاروا يقاتلوا. الخضرة والطحين كانوا ممنوع يطلعوا لعنّا لأن نحنا قاعدين مع سوريّين، فا بيخمنوا إنّا عم نطعميهن. كان في كتير عالم يقولولن نحنا بدنا ناخد أكل لعيلتنا وما يصدقوا أبدًا. إذا حاملين ربطة خبز يقشطونا ياها. يقولولنا إنتو جوعوا اسطفلو ما خصنا.
كان في جارنا إسمه ويليام، تقلّه إمّي: يا ويليام دخيلك بدك تأمّنلي طحين مهما كان، ما بدّي جوّع هالأولاد. دخيلك! يقلّا: يا عمّي عم ببرم. نزلت عا بيروت، وبس أوصل عالحاجز بقشطوني ياهن.
طلع حدا مسؤول من الضيعة حكي إنّه ولاد كور حدا يعملّن شي، لنّو حدا يطلّعلن كيسين تلاتة طحين وبيوزعوهن عا بعضن. شوي شوي صاروا يتساهلوا معنا يعطونا.
بس بالرّغم من هالصعوبات كنّا كتير مبسوطين وكان في تماسك العيلة. بتذكر مرّة ستّي كانت تبيع زيت وشو ما كان. بعنا وقدرت إمّي تدفع على تنين مدارس والباقي ما قدرت. قمت صرت صلّي، إمشي بالدار، إبكي و صرّخ، قلّه دخلك يا يسوع، أنا بدّي إتعلّم. إجت إمّي وسألتني: ليش عم تبكي؟ ع نيّة الله ما تعتلي هم. صرنا نصلّي. وعطتني مصاري وقالتلي: روحي دفعي قد ما الله دبّر. رحت تا إدفع، قالولي مدفوع السّنة كلّا. قلتلّن مين دفعها؟ قالولي: اللّي دفع أصر ما ينقال إسمه. رجعت عالبيت وردّيتلّا المصاري لإمّي وقلتلّا واحد فاعل خير دفع السنة كلّا، وما كانوا يقولولي مين.
كنّا كتير مبسوطين عنجد. نحنا عشنا حالة يتم. في فقر أكيد، ما في مردود مصاري عطول صحيح، بس إمّي كانت عتلانة هم بناتا إنّه ما يصرلن شي من السوريّين، وبدّا تعيّشن وتطعميهن وتعلّمن. بس رغم هيك، كانت الضحكة عنجد عطول ع وجنا.
أوّل ما إجوا السوريّين عالضيعة، ومش عارفين إنّا يُتما، إمّي كانت زارعا كوسا وباتنجان وغير شي. بس طلعوا عا كور، وبس تا ينتقموا، كان مفرّخ باتنجان جديد، صاروا يقطفوهن ويكبّوهن بالارض. ويقلعوا البصلات وكل شي.
كان عنّا جارتنا كتير منيحة، نزلت ليهن قالتلن: إنتو عندكن بالقرآن في يتامى وأرملة ولّا لاء. قالولا: أكيد، المرا الأرملة واليتامى إذا دقّينا فيهن الله ما بيسامحنا. قالتلن: الله ما بسامحكن!؟ طب هيدي المرا اللّي تحت أرملة، ومنّا كبيرة، وولادها زغيرين. كيف إلكن قلب تقلعولا كل البصلات وهيّي عم تزرعن لتبيعن. هالمرا عنجد فقيرة ومحتاجة وبتجوز عليها الحسنة. كيف بتعملوا فيها هيك! قالولا: خلص، دلّينا عليها، ولمّا تطلع عالقدّاس منعطيها مصاري. قالتلن ما بدا شي، بس ما توجهوا صَوبا.
بفتخر إنّي من لبنان، لأن لبنان أكتر بلد بيتّكل عالعدرا. وبفتخر انّي من لبنان لأنّي من منطقة البطريرك الحويك قدّيسنا الجايي، وقدوتنا اللّي علّمنا العيش المشترك وتقبّل الآخر وحب الوطن.
لا تعليق