قصة صفية نورالدين يوثقها محمد رضا من مدرسة القديس جاورجيوس – الحدث

بوقت الشدّة، لازم تكون شديد. إذا مش كرمالَك، كرمال ولادَك وقرايبينَك.

وقصتي اللّي حا إحيكلكن ياها، بتذكّرني قديش صبرت وقت الحرب الأهليّة، وكيف قرّرت كون أقوى من الشدّة كرمال ولادي وأهلي وجيراني. وبتذكّرني كمان إنّه التكاتف ضروري، وإنّه التعاون بيخلّينا نتخطّى المِحن والقلّة لو مهما طالوا.

إسمي صفيّة نور الدين، من ضيعة برج قلاويه الجنوبيّة، وساكنة بالمريجة. عمري 68 سنة. وبتذكّر كتير عذاب، مش شويّ. سنة 1978 كنت متزوّجة وعندي ستّ ولاد زغار. وجوزي كان يشتغل عا خطّ التماس، وقف شغله، قذائف وحروب… سكّر المطار من كتر القصف والضرب، فقام جارنا وصّله الساعة تنتين باللّيل عالطيّونة، وطلع بأوتوكار وسافر عالأردن ومن هونيك عالسعودية. وتركلي ستّ ولاد زغار، تلات بنات وتلات صبيان، الكبيرة فيهن عمرها 8 سنين… ولادي طفالى.

كنّا قاعدين بطابق أرضي، وهون توقع قذيفة وهون يجي قصف. مرّة إجت قذيفة تحت الشبّاك، حملت ولادي وركضت فيهن، ساعة لهون وساعة لهونيك.

خلال الحرب كان التواصل مع جوزي صعب كتير، ما كان في تلفونات ولا شي. كنّا نسجّله شريط، وإذا حدا رايح عالسعودية نبعتله الشريط معه، وهو يبعت بعد وقت.

قلت لحالي يا مرا أحسن شي خدي هالولاد وطلعي فيهن عا بيتك بالجنوب. بيتنا كان غرفة وحدة ودار ومطبخ زغير وحمّام. قعدت بهالبيت إعمل أكل لولادي، ويجوا ولاد الجيران، إنتبهلن، وكانت حماتي مريضة كتير، متل المشلولة.

كانت الحياة صعبة كتير، الاتّصالات قليلة، التموين قليل، ربطة الخبز كنّا نوقف ساعات قدّام الفرن تا نجيبا. جبت شوال طحين وصاجة وجبت حطب، وتعلّمت إخبز، وصرت إخبز إلي وللجيران. كمان صرت وزّع طحين عالجيران، هيدا كيلو وهيدا كيليَين… وصرت إخبز والولاد ياكلوا، ويجوا الجيران… يعني ما إلَكش قلب ولادك تطعميهن والجيران بلا أكل. يجوا ولاد الجيران نقعد نحنا ويّاهن ياكلوا، يعني أحيان عنّا وأحيان عندن. وبيت عمّي كانوا قاعدين عنّا… وحماتي كانت مريضة كتير، كان بدّا مين يفوّتا عالحمّام ومين يحمّما، كانت بنت عمّي تساعدني عليها لأنه ما فيّي إحملا وقيما. وكمان كنت طلّ عا إمّي وبيّي لأنهن كمان كبار بالعمر.

أحيان يكون ببيتي عشرين شخص، وأحيان خمسة، وأحيان خمستعش، حسب ما يلفوا عليّي، لمدّة شي شهرين تلات أشهر. مش بس أني، الجيران هيك كمان، كانوا يفتحوا بيوتن للهربانين يقعدوهن معاهن. إخواتي كانوا بـ”برج حمّود”، إجوا عالضيعة وما كان حدا عندو بيت، إجوا كلّن قعدوا عند أهلي.

لما ينقطع الطحين والخبز، كنّا نطبخ بقلة حمّص”، بقلة فول، مجدّرة، نسلق بطاطا… وحكيم بالمنطقة ما في، كان إذا ولد سَخَن كنت آخده من برج قلاويه عا “صور أو النبطيّة، وما في سيّارات، السيّارات كانت قليلة. أحيان إحمله عا إيدي لمسافة، أو عا ضهري تا وصله لعند الحكيم.

بس بعد البحث والتدقيق، لبنان كتير حلو ومميّز. قدّيه مرقنا بمشاكل وعواصف، وإشيا كتير صعبة، آخر شي منقول أحلى من لبنان ما في. يعني بشوف عالتلفزيون وكذا، أحلى من بلده الإنسان ما بيلاقي.

عا راي ما بيقول المتل: إذا إنت ما تعلّمت لازم الدهر يعلمك، تعلّمت إنّه لازم نحبّ بعضنا ولازم نعطف عا بعضنا، ونحطّ إيدنا بإيدين بعض. مرق علينا نحنا إيّام كتير صعبة مش شوي. شو يعني تمرق حدّ متراس وتنزل حدّك قذيفة؟ أو تضوّي لمبة ببيتك ويشوفك القنّاص ودغري يصيبك؟ يعني قدّيه مرقنا بصعوبات وظروف صعبة… أجمل من بلدنا ما بلاقي. مش بس أني فتحت بيتي، كتار فتحوا بيوتن، وصرنا نضبّ بعضنا، ونعطف عا بعض. مثلًا إذا جاري ما معوش مصاري وأني معي ناوله، وإذا أني ما معيش يناولني. وهالولاد نضبضبن والختايرة نطعميهن. كتير الحياة صعبة كانت. الشعب اللبناني كتير مميّز وكتير بيحبّ بعضه، بس الغُرْبيّة يبعدوا عنّه.

وبهالإيّام، ومن بعد ما شفت ويلات الحرب وعشتها، بنصح الأجيال الجديدة إنّه تكونوا يد وحدة، وحبّوا بعضكن وعطفوا عا بعضكن، وما تخلّوا الغريب يلعب فيكن، وما تخلّوا إنسان يتدخّل بشؤونكن. إنتو حبّوا بعضكن وكونوا يد وحدة. بتشوف خيّك ضعيف بتساند خيّك، بتشوف جارك ضعيف بتساند جارك… هيك المفروض يكون لبنان، لبنان الحقيقي… لبنان الحلو… لبنان التاريخ الحيّ.