الجار قبل الدار
لمّا أي حدا بيحاول يرسم لوحة تعبّر عن ذكرياتُه، عن ماضي عاشُه، عن وطن تنفّس هواه ونجبل بترابُه، لا بدّ إنُّه يستحضر كلّ الذكريات، كلّ الأحداث، وكلّ الناس. ولا بدّ إنُه هاللوحة تكون ناطقة، بدها شي تحكي. خاصّةً لما تكون هالذكريات محفورة بالقلب… ما بتنتسى.
إسمي دعد أبي صعب السوقي، من عيتات قضاء عاليه. فنّانة تشكيليّة وأستاذة جامعيّة، متزوجة وعندي ولاد. وبمارس مهنة الرسم كهواية وعمل محترف.
عبارة لبنان الكبير بتذكّرني أكتر شي بالفرنساوية يللّي كانوا بلبنان. وباستقلال لبنان بس يللّي هلّاء بيحسّسني إنُّه الاستقلال كان منقوص، بوقتها كانوا عاطينوا ياه من خلال المحاصصة الطائفيّة اللّي بعدا موجودة لحدّيت هلّاء، وعم تعملنا مشاكل، وبعدنا لهلّاء عم نعاني منها، وعم تزيد.
لبنان بلد مميّز بطبيعتُه ومناخُه وأهلُه، وأكيد في مميّزات إيجابيّة عديدة متل تعدّد الطوائف والإلفة الموجودة بين العِيَل اللبنانيّة. بس كمان ما مننكر إنُّه لبنان مرق بكتير صعوبات من وقت الانتداب، لحدّيت هلّاء، بسبب وجود كتير أطماع خارجيّة بلبنان. ما مننكر إنُّه نحنا مرقنا بكتير أحداث بلبنان من سنة 1975 وصولًا للحرب الأهليّة يللّي تم التحكّم فيها من الخارج وصارت حوادث 1977.
وصار في خطف عالهويّة، وضرب، ووحدة من هالأحداث اغتيال الزعيم كمال جنبلاط، وكانت ردّة فعل المنتمين إلُن كبيرة. عملوا مجازر ببعض القرى المسيحيّة بالشوف. هالشي أثّر عالمناطق المسيحيّة. ومن ضمنُن ضيعة عيتات يللي كانوا سكّانها دروز، بس كان عنّا بيت واحد مسيحي، هيدا البيت كان كتير متأقلم مع العِيَل الدرزيّة، وما كنّا نميّز بعضنا. كان في تواصل بينّا وإلفة، وخلال هالفترة، نحنا كتير خفنا عليهُن بسبب ردّات الفعل يللّي صارت بغير مناطق، فتوجه بيّي وراح يجيبُن لعنّا عالبيت.
جابهُن عالبيت خوفًا عليهُن. صحيح كلّ الضيعة بتعرفُن، بس كان في إجر غريبة، وهنّي يللّي كانوا يحاولوا يعملوا مشاكل بالمناطق كمان، لأنُّن حاولوا يهجموا عا بيت جيرانّا المسيحيّة ويحرقوه. أما شباب نفس الحي، حرسولُن بيتُن يللي كانوا قاعدين فيه حتّى ما حدا يفوت يسرقلُن غراض.
هالحادثة ما بنساها بحياتي كلّا، وبعدنا لهلّاء صحبة معُن، وبعدُه بيتُن بعيتات. بوقتا ما حسّينا إنّا عاملين شي عظيم، لأنُّه هيدا واجب الإنسان قدّام خيُّه الإنسان. وهالعيلة ما كان خصّا بكل شي عم بيصير، وكان ممكن حدا يحاول يئذيهُن. فكل يللّي صار من منطلق إنسانيّة وأخوّة. عشنا معُن وكنّا نعيّد نحنا وياهُن رغم إنُّن العيلة المسيحيّة الوحيدة، وأنا بعدني بتذكّر إنّا كنّا نوقف عالشبّاك نتفرّج عا شجرة الميلاد.
هالحادثة أثّرت عا تربية ولادي حتّى ما يفرقوا إنسان عن إنسان من خلال الطايفة أو المنطقة أو اللون. وأثّرت عا تعاملي مع الناس بالمستقبل.
بالحروبات القديمة كانوا يستعملوا السيف والترس، حتّى صارت بواريد وأسلحة، ومع الوقت تطوّرت. وبحرب الأسلحة كان كل همنا نهرب من القذيفة ومن الرصاص. بالوقت الحالي استعمال التكنولوجيا صار مصدر لكل أنواع الحروبات يللّي عم بتصير، خاصّةً لمّا طلعلنا الذكاء الاصطناعي والإنترنت يللّي قلبت الموازين. وبعتقد هالحرب حاتكون أكتر شي فتّاكة وأقسى بكتير من الحروب اللّي كنّا نشوفها بالأوّل, وكمان في عّنا حرب جديدة يللّي هيي بمواقع التواصل الاجتماعي، الواتس آب أو الفيسبوك، وهيدا يللّي عم يصير حوالينا وعم يحرق المجتمع بطريقة أقوى من السلاح أو البارودة.
بدّي قول للجيل الجديد من الصبايا والشباب عدّة نصايح؛ أوّل نصيحة إنُّن يوقفوا تفكير بالزعيم لأنُّه يللي تبيّنلنا إنُّه ما في ولا واحد كان عم يشتغل لمصلحة الوطن، إنّما كان عم يشتغل لمصالح حزبيّة وشخصيّة. كمان اللبناني كتير منفتح عالغرب، وشبابه كتير طموحين، وإذا منلاحظ، شبابنا بكل دول العالم عم ينجحوا ويوصلوا لأبرز المراكز الصحّيّة العلميّة وغيرا. منشان هيك، يا ريت هالشباب يفكروا شوي بحالُن وبيبتعدوا عن الأحزاب والزُعما. هلّاء الأحزاب مش عاطلة بس تكون عم تشتغل للمبادئ الصحيحة وعم تشتغل لنموّ البلد.
لبنان أكبر من أيّ شي، وأنا بوثق بالشباب اللبنانيّة يللي عندُن إرادة صلبة كتير، يللّي ظهرت بالثورة الحاليّة. لازم هيدا الجيل يحقّق أمنياتنا يللّي ما قدرنا نحققّا، ويغيروا للأفضل. وبتمنّى عليهُن يبقوا ببلدُن حتّى ما يصير وضع لبنان أسوء. وأخيرًا بقول: لبنان التاريخ الحيّ.
لا تعليق