قصّة راغدة قانصو توثّق القصّة التلميذة نور قانصو مدرسة القديس جاورجيوس – الحدث

أكتر شي بغيض ممكن تفرزُه أيّ حرب، هيّي التفرقة، التقسيم، الفتنة بين الإخوة. قبل الحرب، كانوا اللبنانيّة عا مختلف طوايفُن ومذاهبٌن عايشين مع بعض أكتر من إخوة… بلّشت الحرب، وانتشرت التفرقة، اللّي ما بتولّد إلّا البغض والقتل والدمار.

إسمي راغدة قانصو، وعمري 62 سنة، كنت أسكن بحي ماضي بالضاحية الجنوبية. ما كان إسما الضاحية، بس بعد الحرب تسمّت هيك، شرقيّة وغربيّة… وتقسّمت المناطق بسبب الحرب الأهليّة اللّي فرّقت الناس عن بعضُن.

كنّا ساكنين مسيحيّة وإسلام ببيت واحد، وكان عندي جيران أرمن ومسيحيّة ودروز، وكنّا نطلع سوا ونحب بعضنا كتير. بس الحرب فرّقتنا، وإلّا كنّا ناكل مع بعض، نشرب مع بعض، نسهر مع بعض، نرقص مع بعض.

أنا بتذكر بوقتها كنت دقّ الكبة عالبلاطة، وتجي جارتي الأرمنيّة تقلّي: شو طيّب الأكل من تحت ديّاتِك. وكنت إعمل مجدّرة. كنّا نتشارك الأكل: أنا آكل أكل أرمني وهنّي ياكلوا من أكلنا. كنّا نسهر سوا، كل يوم كانوا الجيران يسهروا ببيت واحد، وقضّينا حياة حلوة كتير مع بعض.

حتّى بأوّل الحرب كنّا بعدنا سوا وما افترقنا. بس لمّا قويت، وصار في قتل ودبح بين المنطقتين، صاروا الكل يهرلوا عن أهلُن ومنطقتُن، وصرنا نخاف من الناس: المسلم يخاف من المسيحي، والمسيحي يخاف من المسلم. عشنا بحالة خوف، وقضّينا حياة صعبة… القذايف تنزل عالبيوت، وموتى وقتلى وشباب ينخطفوا، ودبح…  كل هالإشيا شفتها بعيني. أنا وجوزي كنّا محاصرين، أوقات جوزي ما يقدر يوصل عالبيت بسبب الضرب والقصف. 

بالحرب ابتعدنا عن بعض، كنّا إذا طالعين عا منطقة مسيحية نشلح الحجاب، والمسيحي إذا جايي عا منطقة مسلمة يشيل الصليب، مشان ما حدا يعرف دين حدا، أو طايفة حدا، وصلنا لمرحلة صعبة كتير.

بعدين، إجت الأحزاب، وصارت معروفة أحزاب المسلمين وأحزاب المسيحيّين. وإجت إسرائيل اجتاحت الجنوب وكتير مناطق، ونحنا كنّا ساكنين ببيروت، وبلّش الاجتياح سنة 1982. هربنا عالملاجئ بسبب قصف إسرائيل، كنّا نخاف كتير، نخاف عا ولادنا. ومرقنا بظروف صعبة، لا نلاقي أكل ولا خبز… كانت الحرب بلبنان صعبة كتير.

بذكر مرّة لمّا كنت بسدّ البوشريّة، علقت هونيك معركة ضدّ المسيحيّة، ونزلوا عاالشوارع وصار المسيحي يقتل ويخطف المسلم. وكمان المسلمين يعملوا هيك، وهالشي سبّب الحقد والكره بقلوب الناس تجاه بعضا.

مرّة طلعنا من البيت، ولما رجعنا لقينا بيتنا مسروق، العفش والغراض. كانت السرقة دايرة. والخطف كان شغّال،  بذكر مرّة كنّا عاالطريق ووقفّونا، ولمّا عرفوا جوزي مسلم، قرّروا يخطفوه، بس سبحان الله، بقدرة رب العالمين هالشي ما صار وبعدُه جوزي عايش.

بعد فترة، راقت الأوضاع، وتنفّست الناس شوي. ورجعنا نسأل عن بعضنا ونحبّ بعضنا.

بس إسمع عبارة لبنان الكبير، بحسّ إنُّه لبنان كبير بشعبُه، بأهلُه، بحضارتُه. ولبنان دايمًا حرّ ومستقل. مرّت علينا حروب كتيرة، بس الشعب اللبناني قوي وصبور وبيحبّ الحياة. مرّت علينا 17 حرب تقريبًا وبقي لبنان شامخ، وبقيت أرزة لبنان اللّي هيّي الرمز الأساسي للصلابة، وبقينا متمسكين ببلادنا. الشعب اللبناني قوي عند الظروف الصعبة وما بيستسلم. اللبناني بيتديّن ليتزيّن، اللبناني بيحبّ الأكل، الحياة، الترتيب… و أنا فخورة لأنّي لبنانيّة. 

بنصح الجيل الجديد إنُّه يبقى قوي وصلب، ويكون واعي وما يسمح لحدا يغلبُه. ويتمسّك ببلدُه لبنان… لبنان العزّ، لبنان الكرامة، لبنان التاريخ الحيّ.