قصة روز توثقها ماريا بردا من ثانوية لور مغيزل الرسمية للبناتبيروت

لبنان مميّز كتير، وأكتر شي بيخلّيه مميّز العيش المشترك يللّي فيه، هيدا الشي يللّي من زمان وبعدُه موجود لهلّاء. الناس كانت تحبّ بعضا وتخاف عا بعضا، وكنا الجار الباب بالباب نخاف عا بعض وعايشين مع بعض.

اسمي روز، عمري 73 سنة، الأصل منالرجمةوساكنين بـالكرنتينا“. رح خبّركُن حكاية بحبّا كتير، حكاية عن الجيرة، والشهامة والمروّة.

سنة 1976، بنهار شتي وبرد، كنّا قاعدين ومولعين هالصوبيا وعم نشرب قهوة. وفجأة، بيدقّ هالباب، بالعادة كنّا معوّدين الجيران نشرب قهوة عند بعض، إذا كانت الترويقة عندي، بيكون الغدا عند إمّ أحمد، وبتكون السهرة ببيت إم إيلي.

بقوم تا إفتح الباب اللّي كان في حدا عم يدقّه بقوّة، قلت أنا: “يا عدرا دخلك شو عم يصير؟“. فتحت هالباب، بلاقي أمّ أحمد عم تبكي وتضرب بحالا، ومعا بناتا فاطمة وزينب. أنا تطلّعت هيك شو صاير بهالولاد ممسّكين بفستان أمّن وعم يبكوا. وتقلّي: “دخيلك يا روز دخيلك، ببّوس إجريكي دخيلك خبّينا، والبنات عم يبكوا ويقولوا: “بيّي راح وخيّي راح“. أنا ما إفهم وقلّا: “شو في يا أمّ أحمد؟ روقي، خبريني شو صاير معك“. قالتلي: “دخيلك، المسلّحين برّا هاجمين وعم يقوصوا وعم يقتلوا“.

أنا خوتت وجنّيت، وفتت لجوّا وفيّقته لأبو جوزف، وقلتلُّه: “دخيلك قوم يا أبو جوزف، دخيلك قوم شوف عم يصير“. ونطّ هالزلمي وقام متل المجنون، وقلّي: “شو بكي عم تفيقيني؟“. قلتلُّه: “قوم شوف أمّ أحمد شو صاير معا قوم“. وقعدت أمّ أحمد تبكي وتضرب عا وجّا وتقول: “مات وراح وأخد أحمد معُه، وين بدّي روح بالبنات؟“. بعدين فهمنا وعرفنا إنّه المسلحين فلتوا بالطرقات، وعم يقتلوا ببعضن، وكلّه عم يقتل بكلّه، وما حدا بيخاف لا من الله ولا من دين، ولا من إنجيل ولا من قرآن ولا من شي.

أبو جوزف كان قبضاي ورجّال،كلّ العالم تحسبلُه حساب،وكلمتُه ما بتصير تنَيْن، وكلّ المنطقة بتحبُّه وبتحترمُه،وبيتُه مفتوح للقريب وللغريب. قلّا: “ليكي يا أمّ أحمد، يسواكي ما يسواني، يسواكي ما يسوى ولادي وروز، فوتي إنتِ بحمايتي وأمانتي“.

نحنا بالعادة بهالبيت، عنّا أوضة زغيرة منحطّ فيها فِرش ولِحف، وكلّ الإشيا اللّي بدنا نضبّا من فصل لفصل. ما لقيت إلّا أبو جوزف عم يشيل الفِرش والحرامات، ومِسِك أمّ أحمد وبناتا، وغطّاهن بالحرامات، وقلّا: “ما تخافي، يا منعيش كلنا سوا ومناكل بهالبيت ومنعيش بهالبيت، يا منموت كلنا سوا“. يعني سوا عالحلوة والمرّة.

وفجأة، بيدقّ الباب، وقبل ما نفتحًه، بيفتحوا مسلّحين وبيفوتوا. وحاملين هالكلشنات وموجّهينن علينا، وفاتوا تطلّعوا بهالبيت، لاقوني متل العادة حاطّة وردة ومضويّة شمع للعدرا السلام على إسما. وسألونا: “مين في بالبيت غيركن؟“. رد أبو جوزف وقلّن: “شو ما بتعرفوا عا بيت مين فايتين؟ ولك أنا أبو جوزف مختار المنطقة اللّي كلمتي ما بتصير تنَيْن“. قالولُه: “مين في غيرك هون بهالبيت؟“. قلّن: “ما في إلّا أنا ومرتي روز، الولاد مش هون ببيروت، كل واحد بجامعتُه عم يدرس. وهالبيت قدّامكن فتشوه“.

برموا هالمسلّحين، وأنا قلبي يضرب ويدقّ، وقول: “دخلك يا عدرا تحميهن، هودي أهلنا“. وبعد شوي ضهروا، قلتلُه لأبو جوزف: “دخلك شو بدنا نعمل؟“. قال: “ما شي، روقي، ما حا نعمل شي تا إتأكّد إنّه الدار صار أمان“. وبعد شي ربع ساعة، نطر أبو جوزف ووقف عالشبّاك تا يشوف، لقى الطريق كلّا مسلّحين، والعالم عم تركض، ويللّي عم يصرخ، وصوت قواص ونار. وعرفنا ساعتا إنّه الشي اللّي كلنا خيفانين منّه صار، خرّبوا الدني وعلّقوا العالم ببعضا.

وبعد شوي، شال أبو جوزف الحرامات، كانت البنت الزغيرة حا تغيب عن الوعي ما قادرة تتنفّس، رحت جبتلّا ما زهر، وصرت صلّي للعدرا إنه تتلطّف فيها وتفيق. ووعيت هالبنت وهدّاهن أبو جوزف، وقلّن: “روقوا، هيّاهن فلّوا. ونحنا بعد شوي منضهر كلّياتنا سوا، ويللّي بيصير عليكن بيصير علينا، لتصير المنطقة أمان“.

وقطعت الإيّام، وأمّ أحمد فلّت وأخدت هالبنات، وهيّي تبوس إيدين أبو جوزف وتقلُّه: “شو بدّي قلّك؟“. قلّا: “عيب، ما تحكي هيك. نحنا أهل وقلتلّك اللّي بيصير عليكي بيصير علينا“. وبعد نهار، هيّي فلّت ووصّلا أبو جوزف عالمنطقة اللّي بدها تروح عليها، خبّاها بصندوق السيّارة هيّي والبنتين. وأنا قاعدة على نار لحدّ ما رجع وقلّي إنهن صاروا بأمان.

وفي نهار، بعد سنين، قاعدة بهالبيت، وبيدقّ عليّي الباب، وبتفوت مرا كبيرة ختيارة متلي، وتقلّي: “ما عرفتيني، ما عرفتيني يا روز؟“. أنا بس سمعت صوتا قلتلّا: “مين، أمّ أحمد؟“. قالتلي: “ولك إي أنا أمّ أحمد يا أم جوزف“. وركضت عليها وعبطّا وبوّستا، وعرفت إنّه هيّي راحت على دار الأمان وما صار معا شي، وربّت هالبنتين وجوّزتُن وسفّرتُن. وقعدنا شربنا قهوة وسولفنا. سنين قطعت علينا، شو كان عنّا خبار نحكيا. وبعدا لحدّ هلّاء أمّ أحمد، بتجي بتزورني وبنزل أنا بزورا، ومنضلّ نشقّ على بعض، ومنحكي بالإيّام القديمة والإشيا الحلوة.

بعمره هيدا البلد ما شي بيهزّه، وبعمرن الأهل ما بيتركوا بعض.