قصة بنينية جمعة يوثقها مجد الجلم من ثانوية دير الأحمر الرسمية – البقاع

أبشع شي بالحرب، لمّا الفتنة تقوى، والناس تتقسّم لطوايف متناحرة. والأبشع، لما يصير في قتل عالهويّة. تصير طايفتَك هيّ تهمتَك!

بالمقابل، في ناس بتشوف إنّه المحبّة جوّا الإنسان أقوى بكتير من الكره. وإنّه مهما الكره تمادى وانتشر… المحبّة رح تنتصر عليه… وأنا من هالناس، وهيدي قصتي عن انتصار المحبّة.

إسمي بنينية جمعة، عمري 62 سنة، من بلدة دير الأحمر البقاعية، وأنا بشوف اللّي بيميّز لبنان عن غيره من الدول بالشرق أو الغرب، والعالم كلّها بتحسده عليه، هو التعايش الموجود بين أبناؤه. رغم كلّ الحروب وكلّ المشاكل بين بعضن، كانت كلمة محبّة تجمع بيناتن.

مرّة كان عمري شي 16 سنة، وكنّا ساكنين ببيروت بسبب الظروف المعيشيّة إيام الحرب. وساءبت نحنا وجايين على دير الأحمر، لقينا في عجقة كتير. صار يقول السوّاق: أف شو في عجقة!، صرنا نسأل اللّي قدّامنا، فا عرفنا إنّه في حاجز طيّار مفاجئ. وبس قرّبت سيّارتنا، صار العنصر اللّي عالحاجز ياخد الهويّات. بيمسك هويتي وبيقلّي: إنتِ فلانة الفلانيّة؟ مطلوب إسمك عالحاجز… نزلي، صار ينكعني بالبارودة، وبيفوّتني لجوّا، وبياخدوا كمان شبّ كان معنا بالسيّارة، وبيصيروا يضربوه ويعذبوه كتير قدّامي، وصاروا يخوّفوني. أنا بصراحة خفت، إنّه شو مصيري؟ لأنّه كانوا بالحرب الأهليّة ياخدوا عالهويّة، إذا كنت مثلًا ملقوط عند الإسلام وإنت مسيحي كانوا يقتلوك، أو العكس بالعكس. كانت الحرب الأهليّة همجيّة، ما كان في رحمة أو شي، كان يلّلا، كل واحد خود إيدك ولحقني.

لمّا نزّلني، صار يضرب أشخاص عن بعيد ويسمّعني أصواتن، تا قرّ، يصير يقلّي: إنتِ فلانة الفلانيّة؟، ويعيّط على إسمي: بنينية بصوت عالي. ومن ميلة تانية أنا صرت صلّي للعدرا، أنا عندي إيمان كبير بإمنا مريم العدرا، هيّي اللّي عطيتني قوّة، حسّيت بقوّة غريبة. وبين الخوف والإيمان، أنا كان إيماني أقوى، وصرت قلّلا: يا عدرا أنا مسلمتك ذاتي وشو بدّك عملي.

هالإيمان اللّي عندي هوّي اللّي حرّك كل هالقيم ومشاعر المحبّة تجاه الآخر. المسيح علّمنا كيف نسامح ونغفر ونحبّ، حتّى لو بدّن يقتلوك، إنت بدّك تطلب المغفرة للآخر.

أنا وعم صلّي للعدرا وقلّا دخيلك خلصيني من هالمشكلة هيدي، بيجي شخص عمره 40 سنة لابس كفّية، وما مبيّن إلّا عينيه. وهيدا اللّي عمره 15 سنة اللّي ضربني بالبارودة وقلّي كلمات كتير بذيئة، سأله: دخلَك في من هالعيلة بدير الأحمر؟، فا اللّي عمره 40 سنة بيغمزه كأنّه عم يقلّه إي. لمحت عينيه، وبس سمعت صوته ارتحت كتير، حسّيت كإنّي بعرفه من زمان، وكإنّه آكل وشارب عنّا. تذكّرت جارنا كان حدّ بيتنا، هوّي من عرسال، كنّا نحبّه كتير، كان يضلّ عند بيّي، كانوا يسهروا سوا ويلعبوا ورق، وياكلوا، ونحنا نروح لعندن وهنّي يجوا لعنّا، وكان في وحدة حال وخبز وملح بيناتنا. وبس شافني هيدا المخرطم، بيقول للّي عمره 15 سنة: روح روح أنا بدبّرلا أمرا، ولا يهمّك هلّاء أنا بزبّطا، وبيتطّلع فيّي وبيقلّي: خدي هي الهويّة ولا بقا تمشي فيها، لأن في غلط من دايرة النفوس، بدال ما يكتبولك أنثى، كاتبينلك إنّه إنتِ ذكر.

أنا حسّيت إنّه العدرا هيّي اللّي خلّصتني من هالمرحلة هيدي، ومن ميلة تانية، إنّه قيم المحبّة والاحترام والتعايش والإلفة بين الناس، لو من أيّ طايفة كانوا، رح ترجع… بتعود. هيدا رجال الكفيّة، كان فيه يقتلني، بس عرفني، وعرف إنّه في خبز وملح بيناتنا، وكنّا نحنا ويّاهن كتير نحبّ بعض، وأهليتو وأهليتنا كانوا جيران وقرايب، وما نعرف بعضنا إنّه هاو إسلام وهاو مسيحيّي.

واليوم، نصيحتي للجيل الجديد هي احترام الآخر، وحرّيته، ورأيه، ودينه، وإنو يرجع يحيي المحبّة والإلفة، الزيارات والضيافة والكرم، وضيافة الغربا، هاو كتير مهمّين. والأهم قبول الآخر متل ما هوّي: إتقبّل دينه، شخصه، ضعفه، واحترمله كرامته. وهيك بيكون لبنان تاريخ حيّ.