قصة سعد الله محمود سليم يوثقها عبد الله هادي علي أحمد من ثانوية سيّدة المعونة الدائمة – فرن الشباك

الحرب، ذكرياتها كتير أليمة وموجعة. ومتل ما الجرح العميق بيبقى معلّم على جسد الإنسان، ذكريات الحرب بتبقى معلّمة بالروح والقلب، ومن الصعب تنمحى. بس إرادة اللبناني أقوى من أيّ صِعاب، وأقوى من أيّ حرب. الحرب بتدمّر وبتقتل، بس الحياة بتستمر بالإرادة.

واليوم، حبّيت خبّركن حكاية من حكايات الحرب بلبنان، حكاية جرح ما بتننتسى.

أني سعد الله محمود سليم. من بلدة حولا قضاء مرجعيون، مواليد سنة 1956 حسب التذكرة. ساكن بـكفررمّان من أربعين سنة.

بالحرب انقصف بيتي، وتصاوبت مرتي، وخيّي ومرته، وأخت مرتي، وبنتي. بنتي الصغيرة كان يوم عيد ميلادا، وكنّا عم نجهّز لعيد الميلاد.

أنا وحدي نقلت الجرحى على بيت قريب، بيت عديلي. البنت فكّرناها ماتت، فا حطّيناها تحت ليمونة. قدّام بيت عديلي في ليمون، وصرنا نداوي ونسعف الجرحى الأربعة.

بعد حوالي نصّ ساعة، بإيدي ضوّ، بضوّي تحت الليمونة، فا بلاقي البنت عم تتحرّك. بركض بسعفا.

طبعًا بوقتا، ما كان في سيّارات تضهر من كفررمّان عالمستشفى، لأنّه في قنص عَ الطريق. حملنا الجرحى الخمسة لحتّى وصلنا عَ محلّ ما عاد في رصاص يوصّل لعنّا، وأخدناهن ومشينا بدون ضوّ عَ مدينة النبطية. وهونيك تم إسعافن، وعملوا عمليّة للبنت لأنّه كان في شظيّة براسا، والأمّ كانت منصابة بإيدا ومنصابة بإجريها من تحت. ووقتا الحكيم طلب منّا نرجع عَ البيت باللّيل، وتاني يوم منشوف شو بيصير، لأنّه الإصابة بشظايا باطون ما بتتقطّب، بتتقطّب بس إذا كانت إصابة بشظايا القذائف.

رجعنا عَ البيت، وكان بعد عندي بنتين، كنت نقلتن على بيت خالتن، كنت خايف كتير يجي عليهن قصف. وبهالأثناء، تجمّعت العالم، وهاد طبعًا صار بدّه يقدّم مساعدة، وهاد بدّه يعرف شو في وشو صار. أخدناهن عَ المستشفى والحمدلله وقتا تعالجوا كلّن، ورجّعناهن عَ البيت.

طبعًا كلّه هيدا أخد فترة طويلة من العلاج، يعني مش يوم وتنين، حوالي شهرين وتلاتة بقيوا بالمستشفيات لحتّى مشي الحال، خاصّةً مرتي.

بقيت خايف؟  طبعًا، بقيت خايف، لأنّه انقصف بيتي مرّة تانية ومرّة تالتة. تهدّم مدخله، وتكسرت شبابيك القزاز، كلّ البيت تضرّر. رحلت من البيت وما عدت قعدت فيه وقتا، ورحلت لمنطقة آمنة أكتر.

واللي خلّاني ما استسلم، إيماني بالأرض والوطن، ومسؤوليتي تجاه عيلتي. وكمان القوّة… هيدي حرب! يعني القوي بيبقى والضعيف بيروح.

من ورا هالتجارب اللي قطعت فيا، نصيحتي للجيل الجديد بظلّ هالأزمات اللّي عم يمرّ فيها لبنان، إنّه يفكّر ألف مرّة قبل ما يستعمل سلاح. يفكّر ألف مرّة ما يعمل حرب. يفكّر ألف مرّة ما يعمل عداءات بين الطوائف والأحزاب والجيران. ويكون إيد وحدة ويتّحد حتّى يطلع هالوطن من المِحَن اللّي واقع فيها ويرجع يوقف عَ إجريه. ونصيحتي كمان إنّه نحارب ــ بالفكر طبعًا مش بالسلاح ـــ الناس اللّي بدها تحاربنا بالسلاح.

لبنان حلو، لبنان ما بتلبقله الحرب ولا السلاح ولا الموت. اللّي بيميّز لبنان، شعبه الذكي المثقّف المتعلّم، اللّي عنده طموح، وما عنده عداء مع حدا… لبنان بحياته ما أعلن حرب على أيّ دولة، بس في دول تانية إلها أطماع عنّا، لأنّه نحنا منقدر نتعايش مع بعض… كلّ الطوايف بتتعايش مع بعضا بسلام ومحبّة، غير أيّ منطقة تانية. لبنان مستهدف لأنّه قوي بشعبه، ومتى ما ضعف هالشعب وانجرّ ورا العنف، لبنان رح ينتهي… وحرب السبعينات والتمانينات خير دليل.

 

[/vc_column_text][/vc_column][/vc_row]