قصّة دنيا فغالي توثّقها التلميذة جودي هاشم من مدرسة البنات الوطنيّة للروم الأرثوذكس – طرابلس

الجيل الحالي، قليل تا يعرف خبار وتفاصيل عن الحرب الأهليّة اللّي صارت بلبنان. يمكن يعرف إشيا عامّة: مين قاتَل مين، ومين حارب مين… بس التفاصيل اللّي صارت مع ناس كتار… قلال كتير اللّي بيعرفوها. وحكايتي اليوم عن اللّي صار معي، بتذكّرُه وبتمنّى أكيد ما ينعاد.

أنا إسمي دنيا فغالي، قاعدة بفرن الشبّاك، عمري شي 68 سنة. متجوزة من طانيوس فغالي، وعندي 4 ولاد: بنتين وصبيين، جوزي متوفّي من 18 سنة وقاعدة لحالي بالبيت، وولادي بيطلّوا عليّي. 

بس طلع الياس سركيس رئيس صاروا يقوصوا، كنّا قاعدين نحنا بحارة حريك، صارت العالم ناس بدّن ياه وناس ما بدّن ياه. هربت أنا وولادي عند جيرانّا، ونحنا قاعدين عندن، وبنتي الزغيرة بحضني عمرا سنتين، بلّشت العلقة، وإجت رصاصة وفاتت بصدري. أنا ما حسّيت على قوّة الضربة، فكّرت بنتي شبقت عليّي.

صرخت جارتنا إم محمّد: يا دنيا يا دنيا. قلتلّا: شبك؟ تطلّعت هيك لقيت الدم عام ينوفر من صدري، وبلّشت صرّخ. إجا جوزي والجيران، أخدوني عا مستشفى الجامعة الأميركيّة، حطّولي دم وعملولي عمليّة. قضيت كتير والله بالمستشفى. تعذّبنا كتير تا شالولي الرصاصة من الريّة. قعدنا فترة كبيرة بالجامعة، رجعنا جينا عالبيت. وإجت جارتنا من بيت المقداد من بعلبك إسما لطفيّة وقالتلي: يا دنيا يا دنيا. قلتلّا شو في؟ قالتلي بكرا الساعة 4 بدّي هرّبكن من هون. قلتلّا: ليش شو في. قالتلي: ما عاد فيني إحميكن، الحالة مش منيحة وعم تتوتّر كتير.

الساعة 4، قمنا تا نهرب، مشينا ببساتين الليمون وصاروا يقنصوا علينا من الحدث. بلّشوا يقوصوا علينا من تحت الشجرات، تا وصلنا على حاجز المريجة، وهونيك سألونا: لوين رايحين الإخوان؟ قالتلُن المرا اللّي معنا: عالحدث، ما عاش معُن ياكلوا، وجوزا قاعد بلا شغل. قلّا: بتجيبلنا معك تنكتين بنزين. 

ومشينا مسافة، تا وصلنا عالحدث،  ومن هونيك رحنا عند أهلي بفرن الشبّاك. جيت قعدت فترة عند أهلي. جوزي ما بدّه يضل هون، بدّه يرجع عالبيت ويقول: أنا بيتي معمرُه بتعب وعرق جبيني، أنا ما بدّي أقعد هون، بدي إرجع على بيتي.

صار يتشارع هوّي وإمي، تقلُّه إمّي: خلّيك هون. هوّي يجاوب: لا، بدّي روح. رجعنا رحنا، وعم يلعبوا ولادي قدّام البيت، فا بيتقنّص إبني بإجرُه. قام جارنا أبوو محمد أخدّه عا مستشفى الجامعة العربية، وصل لهونيك عم بيعرّفن عنّا، قلّن: هودي جيرانا مسيحية. قالوله ما تقول مسيحي ومسلم، نحنا ما عنّا مسيحي ومسلم. نحنا منخدم لوجه الله، عيب تقول هيك. وسوّولُه إجره، وجينا عالبيت. كمان بلّش قصف وضرب والقيامة قامت، رجعنا هربنا على فرن الشباك، وهون إمّي قالت: خلص، ما عاد في رجعة.

قام جوزي قال بدّه يروح عالشغل، بدّه يروح يخلّص شب سنّي من الشياح، وبدّه يروح ياخده ويطلع هوّي وياه عا معمل بصل بيشتغل فيه بزحلة، ما بيسترجي يفوت هيداك على عين الرمّانة. راح لا يجيب الشب، كمشوه هنيك: إنت مسيحي، إنت كافر. وصاروا يخبطوه وربطوله إيديه وقعّدوه بأوضة زغيرة، وقالولُه: شو بدّك قبل ما تموت. قلّن بس بدّي دخّن سيجارة. هوّي ما بدّه سيجارة، بس هيك صار يصلّي: يا الله، دخيلك يا عدرا. هوّي عنده إيمان بالعدرا. قللّا: تطلّعي فيني، أنا عندي 4 طفالى، إذا متت مين بدّه يربّيلي ولادي؟

يعني عجيبة صارت معه. هنّي فلّتوه وهوّي بيقول عجيبة. شوي بعيطوله: طانيوس فغالي. ضهر قال هلّاء بدّن يقتلوني، فكّوله الربطة عن عينيه وقالوله يلّا فلّ.

ما عاد يعرف يدوّر السيّارة قد ما عم يرجف وخايف. طلع بالسيّارة وإجا لهون وضل كل النهار موقّف. وأنا مفكرته بالشغل وهوّي يا حرام عم ياكل قتل وضاربينه.

وصل لهون منظره بيلوّي القلب. الدم عم يطلع من تمّه. دغري أخدناه ورحنا عالمستشفى، ضل يومين تلاتة عالجوه ورجعنا عالبيت. جينا عالبيت وقعدنا هون. وبعدين رايح على شغلو بعد جمعتين، بينزل قنابل فوسفورية على فرن الشباك، وبيحترقوا السيّارات، وبيكون هوّي بقلب السيّارة. كمان عجيبة وخلص منها ورجع إجا عالبيت. بعدين تركنا هالبيت وقعدنا هون بفرن الشبّاك ما عدنا رحنا لهونيك وخلصت.

بقول إنه العالم لازم يتفاءلوا شوي، ولازم نحبّ بعضنا. أهم شي نحبّ بعضنا. حاج كل من يا ربّي نفسي، هيدي المحبّة اللّي كانت موجودة من زمان وهالثقة وهالأمن ما عاد في مّنن. من زمان لا كان في دين ولا في شي. كلنا قاعدين بنفس المطرح ومنعيش سوى مع بعض. أنا عطول كنت ضل مع رفقاتي السنّة والشيعة. كتير بحبّن، وبعدني لهلّاء على تواصل معن وبحبّن. كتير بإيّام رمضان نروح لعندن. عطول كل يوم عالإفطار يدقّولي روح إفطر عندن. كتير كنّا نحنا وياهن.

الحرب بعّدت العالم عن بعضن، رجع إجا هالغلا وهالثورة وهالكورونا. كل شي يعني عم يلحق بعضُه. هيديك الإيّام ما كنّا مقطوعين من شي. هلّاء كل شي غليان، ما عم فينا نجيب شي، مش معقول، بس بدنا الله يفرجا علينا ونرجع متل قبل.