قصة رفعت لطّوف يوثّقها التلميذ إيلي الخوري من ثانوية دير الأحمر الرسمية – البقاع

إيّام زمان، على قدّ ما كانت صعبة وبسيطة بالواقت ذاتُه… كانت أجمل، وكانت أصحّ لجسم الإنسان. والحكاية هيدي عن إيّام زمان، عن الأرض اللّي بتبقى أغلى شي بالوجود.

أنا زلمي كبير، قضينا العمر كلُّه، نركض من الصبح لعشيّة؛ مَيّ مفيش بالبيوت، كنّا نروح أكتر من تلاتة كيلومتر لحتّى نروح نعبّي مَي. كنّا ناخد البقرات والغنمات والعنزات، هودي ناكل حليب منُّن. ماكَنش في متل اليوم. هالإيّام هيدي كل شي متوفّرلُه للجيل الجديد. نحنا عا إيّامنا ماكَنش في. كنّا إذا إجانا ضيف، أكتر شي ندبحلُه ديك. لحم؟ ماكَنش في غير كل نهار أحد، كل جمعتين تلاتة تا يدبحوا دبيحة، اللّحم ماكَنش متوفّر.

كنّا نزرع الزرّيعة وننكش ونزرع بندورة وخس وكذا، وكنّا مكتفيّين، كل بيت ببيتُه، نكتفي باللّي نزرعُه ونحصدُه. يعني بحياتنا ما شترينا عِرق خُضرا من الدكاكين. 

الخبز؟ كنّا نخبز عا إيدنا، ناخد القمحات نصوّلُن وناخدُن عالمطحنة ونطحنُن، والنسوان تعجن بالبيوت، ويشيلوا خميرة من مرّة لمرّة، ماكَنش في خميرة سريعة متل اليوم، كانت الخميرة يربّوها من جمعة لجمعة.

إذا بدنا نبَرْغِل، ناخد القمح، نصولُه ونروح نجرشُه، نبقى نعمل شي تلات مداد من سنة لسنة. إذا بدُّن يكشكوا، كنّا نكسِر عا إيدَيْنا، تجي البنات تلقّم عالمكنة، والشباب تصير تبرُم، وآخر شي يعملولُن جَوْرَعَة، من بعد ما يخلصوا يعملولُن بسكوت وراحة، ويجوا النسوان يصيروا يحفّوا طول النهار، هيدا إذا بدُّن يعملوا كشك يقعدوا نهار بكاملُه لحتّى يقَطْعوا الكشك. والعدس، نصوّل العدس تلات مداد أربع مداد ونملحُه بعيد الصليب ونتركُه من سنة لسنة. حتّى الحمُّص كمان نفَقْشُه عالجاروشة. 

رِزقنا من أرضنا، كل بيت كان مكتفي بذاتُه، ما نشتري شي من برّا. لازم كل واحد يرجع لأرضُه، يفلح ويزرع، لأنُّه غير الفلاحة والزراعة ما بتشيل بالبيوت والعيال. لك تلفون ماكَنش في، إذا كان بدُّه يجينا مكتوب، نُنْطُر تلات أشهر أربع أشهر تا يجينا مكتوب من الدول العربيّة لعنّا لهون، اليوم بلحظة بتحكي مع كندا مع أميركا وِجّ وصورة.

واجهتني إيّام صعبة، غِلي كل شي، ومعاشنا ما عاش يكفّي نشتري مَجْمَع حليب للولاد. آخر شي صرنا نطعميهن زوم عدس، مجدرة، من هالمأكولات اللّي تطبخا المرا. إذا الولد الزغير صار يبكي، نُحطّلُه كَعْب راحة بالشاشِيّة.

إيّام الحرب كانت كتير صعبة، تهجّرت العالم من بيوتا، صار الدبح عالهويّة، بيبقى الواحد رايح ليشتغل ليجيب ربطة خبز لإبنُه، تلاقي قذيفة إجت طيّرتُه. ياما عيال تشحّرت، ياما ناس يتامى، ياما ناس ما نعرف وين ندفنت. الحرب؟ الحرب الله لا يفرجيها لحدا. لأن الحرب كتير قاسية ووسخة. يا ريت الحرب ما بقى ترجع. تهجّرنا من بيوتنا، بِعنا أراضينا تا حتّى نضبضب ولادنا، تا حتّى نلبِّسُن، بس مش أكتر، بدنا نقوّتُن بس تقويت. الحرب كتير وسخة، ياما ناس تصاوبت، وياما ناس تعتّرت، وياما ناس تشحّرت.

كنّا إيّام زمان نحبّ بعضنا. اليوم بدُّه يكون الإنسان قنوع، ويلتجئ لربُّه، إذا ما التجأ لربُّه، الله ما بيبارك بالبيت. بدُّه الواحد يكون شوَي، هيك نتّوفة زغيرة يتطلَّع بِربُّه لحتّى ترجع تدبّ الحنّيّة ويرجع يصير في حبّ، ويصير في حياة. ما هوّي بالحبّ بتجي الحياة، مش بالكره، مش بالنميمة، هيدا أهمّ شي.

العبرة بالحياة إنُّه الإنسان ينتبه لأرضُه، ينكُشا ويزرعا، لأنُّه أهمّ شي إنُّه أرضك هيّي بلادك، إذا اعتنيت فيا اعتنيت ببلدك. وإذا ما اعتنيت فيا، معناتا إنُّه ما في بلد عندك. الواحد ما لازم يبيع أرضُه، لأن إذا باعا خِسِرا، وإذا اعتنى فيا هيّي بتحييه، وهيّي بتخلّي حياتُه تكمّل.

اللّي بقولُه للجيل الجديد: حبّوا بعضكُن، بالمحبّة بيِعْمَر البيت. إذا إنت حطَّيْت إيدك بإيد جارك، بتلاقي في تعاون، وبيصير في إلفِة، في محبّة، والمحبّة ربنا دخيل اجريّاتو هوّي وصّى فيا. إذا إنت بحاجة لشي بتلاقي جارك وقّف جنبك، وإذا جارك بحاجة لشي إنت بتوقّف جنبُه. وبوصّي: الأرض أهمّ من البلد، لأن إذا إنت اعتنيت بأرضك بيحيا البلد، مش كل شي لازم نستوردُه من برّا، لازم كل شي نصنعُه بإيدنا. لك يا الجيل الجديد، مش كل شي بالعِلم، العِلم منيح ومفيد، بس ولكن الأرض والأرزاق، إذا اعتنيت فيا، هيّي بتوصلَك للعِلم، هيّي بتوصلَك للنشاط. روحوا اشتغلوا حركوا دمكُن وخلّوا العَرَق يزرُب منكُن، تا حتّى يحيا لبنان!