قصّة مصباح علامة توثّقها التلميذة لين علامة من مدرسة القديس جاورجيوس – الحدث

ناس كتار بيتذكّروا مآسي الحرب الأهليّة. بيتذكّروا الدمار، والمعارك والقصف، والقتل بالشوارع، والدبح عالهويّة. بس قلال اللّي بيتذكّروا إشيا طريفة وحلوة مرقت معُن إيّام الحرب. وبحكايتي اللّي رح خبّرا، رح حاول كون من الفئة التانية… من القلال.

أنا مصباح علامة من مواليد سنة 1970، واعي للحرب الأهلية. كان عمري 12 سنة ومتذكّرا منيح. كان في إشيا حلوة كتير وإشيا حزينة كتير، وإشيا مرعبة كتير. منها بالملجأ كنّا نضحك ونلعب ورق، ومنّا من الحرب نرتعب؛ وكان في إيّام حزن والذكريات الأليمة. بس أنا كنت من الأشخاص اللّي ما بيخافوا أبدًا. سنة 1982 كان عمري 12 سنة، واعي للاجتياح الإسرائيلي، كان نهار جمعة وآخر يوم مدرسة الساعة 3 بعد الظهر، خلّصنا عالـ2، قلّي خيّي: رايح ساوي السيّارة. كان معه سيّارة فيات، عربشت وطلعت معه لكزدر. ما كان في شي، كانت البلد رايقة وحلوة، وطلعنا نسوّي سيّارة رفيقه عا طريق المطار، وبلّش الطيران يقصف المنطقة كلّا، البنايات صارت تقشط حوالينا، والطيران عم يقصف طريق المطار والغبيري والمنطقة كلّا. عشنا حالة رعب، تركنا السيارة ورحنا مشي، صرنا نركض ونتفركش عالطريق، حتّي خيّي زتني بقناية متل المجرور، تخبّينا فيها حتّى هدي القصف. رجعنا رحنا عالبيت مشي، كانوا أهلي ناطرينّا هونيك وتطمّنوا علينا.

وفي إشيا حلوة كانت تصير بالملجأ، ساندويشات اللّبنة والزعتر مع خيار؛ وأكتر شي بيذكرُه، إنّا كنّا بعد الضهر ننطر بيّاعة البزر والغزلة والسمسميّة، تجي تعبّيلنا الحجّة بالكباية بزر، ونشتري منّا التفّاح المعلّل. 

كنّا نساعد العالم، وأنا كنت جريء وما خاف. وقت القصف نحمل غراض العالم ونركض وراها وننزل معن عالملجأ. كان عنّا طيبة، إذا واحد نقطعت سيّارتُه ندفشلُه ياها.

ووقت يروق القصف، أهلنا ياخدونا عا مطارح تا نغيّر جوّ؛ كنّا نحسّ بالفرح بس مش متل ما منحسّه هلّاء، ما نضحك من قلبنا، نضلنا خوفانين. بيخلص النهار مبسوطين إنّا ضهرنا بس في شي رعب كان. 

يعني الحرب مقرفة، وما منتمنّى يكون في حرب. الجيل الجديد لازم نعلّمُن يبتعدوا عن أحاديث الحرب. لأن نحنا تعذّبنا وشفناها. بحسب خبرتي، جيلنا ضحكوا عليه السياسيّين، بيفوتونا ببعض، وهنّي بيجتمعوا سوا. بيضحكوا علينا ونحنا منبتلى. هلّاء ما بحب حدا يضحك عا ولادنا. شفناهن  30 ــ 35 سنة حرب، بعدُن متل ما هنّي ما تغيّروا. وبتمنّى إنّه ما حدا يتبع أي سياسي أو حزب. وبتمنّى من الجيل الجديد إنّه ما يحكوا بالطائفية، يحكوا بس إنّا لبنانيّة، وإنّه ما يكون عندن عنصريّة ولا حزبية. الأحزاب ما بيجي منّا شي. بنصح الجيل الجديد ما يتبعوا ولا حزب.

بتذكّر لمّا سقطت بيروت، هربنا منها، الجيش الإسرائيلي طوّقها، وكان صرلنا شي تلاتين أربعين يوم بالملجأ، ما نضهر. وقتا إجا خبر سقوط بيروت، وصاروا الإسرائيلية بالطيّارات يزتّوا مناشير كاتبين فيها: هربوا من المطار، أو بالسيّارات، وفلّوا من بيروت. فلّينا نحنا من بيروت، ونحنا فالّين صرنا نشوف الجتت بالطرقات. ولمّا وصلنا عا خلدة التقينا بالجيش الإسرائيلي، وقّفونا وفتّشونا، وختمولنا عا إيدينا، وفتنا عا الجنوب ورحنا.

خسرت خيّي بالحرب، كان عمرُه 19 سنة، كان بعزّ شبابُه متل القمر. إجت قذيفة عنّا بالجنينة، وفاق تاني يوم ليشوف القذايف هوّي ورفقاتُه، وصاروا يتحزّروا، فا فقعت وحدة وتوفّى، حادثة أليمة ما يتنتسى، صارت سنة 1977 أو 1978.

في إشيا كتير خلّتنا نبعد عن الزعل. كنّا نضحك بالحرب، في إشيا كانت تسلّينا بالحرب: الأحاديث، المزح، الضحك. يوصل الخبر كبير، نروح نسأل، نلاقيه ما شي. ما كان لا إنترنت ولا وايفاي ولا شي. بس كان في إشيا حلوة لهلّاء ما بتنتسى، وبعدنا منحكي فيها.

لبنان، قد ما يصير فيه مشاكل وحروب، بيرجع. لبنان بلد حضارة وبلد مرتّب وشعبُه طيّب. صحيح بيندار من الطايفة، بس هلّاء صرنا بمراحل إنّه اللّبنانيّة بلّشوا يفهموا، بطّلوا مجاديب، وأنا واحد منّن، هلّاء ما بقا إتبع حدا، ما بقا آمِن بحدا، كلّن فنّاصين وكذّابين.