قصة سبع الياس خليل توثّقها التلميذة جايسي سلامة من مدرسة مار يوسف – قرنة شهوان 

لمّا تقرّب من الخطر… لا تتلبّك، لا ترتبك… ولا تضطرب. لأن الخطر الحقيقي هوّي لمّا إنت تضطرب.

إسمي سبع الياس خليل، بس إسمع عبارة لبنان الكبير، أوّل شي بيخطر عا بالي إنُّه المواطن اللّبناني بيحنّ عا تراب وطنُه متل ما بيحن عا بيّه وإمّه وخيّاته وأصدقاؤه  وجيرانه. 

اللّي بقدر قولُه  إنّي شاهد حيّ عا ماّسي الحرب الأهليّة بلبنان، لما كانت كل طايفة تخطف وتعذّب وتقتل أيّ فرد بتتصيّده من الطايفة التانية. وأيّ شخص بينتمي لفريق سياسي معيًن بيصطاده الفريق السياسي التاني. وكان بهيداك الوقت قتل الإنسان أهين بكتير من قتل حشرة. بهالسياق، بدّي خبّر قصّة واقعيّة صارت معي بإيّام الحرب. بتاريخ 7 أيلول سنة 1975، وعالساعة 4 بعد الضهر، كنت مارق بمدينة بلبنان معظم سكّانها من طايفة مختلفة عن طايفتي. وقّفني حاجز من الشباب و كانوا ملتّمين وطلبوا منّي هويتي. ومع الأسف، بلبنان بعدنا منسجّل الطايفة عالهوية، الأمر يللّي سهّل عليهن يعرفوا إنّي من طايفة غير طايفتُن. أمر رئيس الفرقة أحد عناصرُه تا يسوق سيّارتي ويروح يقتلني بمطرح مَنُّه كتير بعيد عن الحاجز مخصصينُه هنّي لقتل العالم وتصفيتُن. هوّي وآخدني قلتلّه: ليش بدّك تقتلني؟ أنا إنسان مَنّي طائفي، أنا إنسان مَنّي حزبي، أنا إنسان فقير. وشفتُه إنّه تحرّك بس قلتلّه إنّي فقير. وهون شرحتلّه عن الفقر. بهالوقت، وأنا وعم إشرحلُه، وصلنا عا مطرح كان بدّه يقتلني فيه، أنا ويّاه لوحدنا، قدّامنا عشرات الجثث وعضام ناس مقتولة. بس ما نزّلني من السيّارة، ضلّت السيّارة دايرة وبقي يسمعلي أنا وعم إشرحلُه عن الفقر. وأنا لغتي العربية منيحة كتير، ما خلّيت شي عن الفقر إلّا ما وصفتُه بأحسن لوحة. غاب عن بالي إنّه هوّي الإنسان الأمّي يللّي معي ممكن يكون أقوى منّي لغويًّا، لأنّه قللّي: إذا كنتوا إنتو فُقرا، نحنا معترين. وأنا راح عن بالي إنّه التعتير أقوى من الفقر. وهوّي بلّش يوصفلي عن التعتير. طلعت اللوحة تبع الفقر يللّي عملتا أنا ما إلها قيمة بمقابل اللوحة يللّي رسمها هوّي عن التعتير.

آخر شي قللّي: رح إتركك تروح لعند أهلك، بس عطيني شو في بجيبتك. نسيت قول إنّه الإنسان قدّام الموت ما بيخاف، كنت عم فاوضه وكنت عم بحكي معه من دون ولا أيّ شي بيتعلّق بالخوف. عطيتُه المصريّات من جيبتي وكانوا حرزانين، ردّلي خمس ليرات منّن، وما كان يقبل، قللّي: بركي بدّك تعبّي بنزين عالطريق، أو بركي جعت؟ أخدت الخمس ليرات منّه وشكرتُه. 

لمّا وصلت عالبيت، لقيت في حركة منّا عادية من الجيران، مجمّعين وبيّي معن، وساعتا عرفت إنّه بم إنّي وحيد عند إمّي ومعلّقة فيّي وأنا حياتها، بالساعة 4 تمام الوقت يللّي أنا انخطفت فيه، إمّي حسّت إنّه بِني شي. ضاعوا عقلاتها، ضربت بيّي بالكفّ وكحتته من البيت وصارت تعيّط. لمّا شافتني قالتلي: شو في؟ شو صار معك؟ خبّرني. قبل ما تعرف شي، هيدا إحساس الإمّ وهيدا إحساس الحنان يللّي اليوم شوي منفقدله. إجوا الأصحاب وكلّ القرايب، وبقيت كلّ السهرة خبّرهن شو صار معي من دون خوف، كإنّي حضرت فيلم سينما. 

وبرجع بردّد، الإنسان قدّام الموت ما بيخاف. الساعة يللّي جيت تا نام فيها، انهرت، مش بس خفت، انهرت، ما عاد فيّي إتحرّك، وعرفت إنّه الإنسان ممكن يموت بأيّ لحظة من دون أيّ سبب.