قصة فاطمة توثّقها ديمة عبد الساتر من مدرسة القديس جاورجيوس – الحدث

إسمي فاطمة، من مواليد سنة 1954، وبمئويّة لبنان الكبير، حبّيت إحكي حكاية مرا… مرا عانت كتير، بس قدرت توقف بوجّ المعاناة، وتثبت إنها قويّة.

إذا بدنا نحكي عن الحرب بلبنان وشو أثّرت على الوضع المعيشي للعيلة اللبنانيّة، أكيد صعب علينا نحكي كل شي صار بلبنان أثناء الحرب 17 سنة. ذاكرة الإنسان إلّا ما تخونُه. الحرب اللبنانيّة طبعًا عرفت ألوان وأشكال ومراحل وميادين وأطوار متعدّدة. وأصابت كل فئات المجتمع بأضرارها. وأثّرت بشكل مباشر على الأسرة، يلّي هيّي نواة المجتمع اللبناني ونواة كل مجتمع.

رح ركّز على المرأة بكلمتين زغار. المرا طلعت من دَور التبعيّة اللّي كانت عليه قبل الحرب. ما بقت خاضعة لنظام تقليدي بالأسرة. صارت ملتحقة بعلاقات أكتر ديمقراطيّة، المرأة بقت مشاركة بالمسؤولية إيد بإيد، حتّى فوق الرجّال، رغم قساوة الظروف، وبالأخص أمام التهجير. بالتهجير أكيد ــ خاصّةً الطبقة الوسطى والفقيرة ـــ انهانت كتير أثناء الحرب. انهان الإنسان وانهانت نفسه. وانهارت كلّ المعايير الأخلاقيّة، ياما سمعنا كلام، وياما مرّينا بأحداث.

مصدر رزق الإنسان والأجر كمان انهار بشكل كارثي. كانت الزيادة اللّي تجي من الدولة دون نسبة ارتفاع مؤشّر الأسعار، بالحضيض يعني. خلّانا دايمًا كنساء نعيش هاجس إنّه مش قادرين نغطّي احتياجاتنا ولا قادرين نأمّنها. وأيّ احتياجات؟ احتياجاتنا الأساسيّة. أنا اللّي كنت إتوّلى إدارة ميزانيّة البيت ودبّر الحال. وكنت دايمًا دايمًا إلتجئ للتقنين بمصروف البيت، إلغي الكماليّات متل اللّبس وإكتفي بالضروريّات اللّي هنّي الأكل والشرب، وأيّ أكل وشرب؟ اللّي متوفرين عنّا واللّي حوالينا، اللّي كنّا نقدر نطالُه. المرا كانت هيّي “بلدوزر” البيت، ليه، لأنّه هيّي اللّي كانت بتقدر تتحمّل وتتكيّف وتبتكر الحلول، في حال الميزانيّة مش عم تقدّيها. هيّي اللّي كانت تتحكّم بمدخول الأسرة، وهيّي اللّي كانت تدعم أسرتها دعم معنوي مباشر. الحمدلله نحنا ما عشنا مرحلة مجاعة، بس كنّا عايشين مرحلة تقشّف حتّى نضلّ عايشين ومستورين. 

من بين الأحداث اللّي بدّي خبّركنن ياها، نحنا لمّا تهجّرنا، تهجّرنا من دون بطّانيّة ومخدّة وفرشة. لكن أنا بيوم نزلت بكّير عالساعة خمسة الفجر.. قصدت البيت، من بعد ما بيتنا نهار وتهدّم، وكان أربع طوابق. أنا لوحدي طلّعت من بيتنا سبع فِرش وعشر تِلحفة، وتمان مخدّات، ما عدا البطانيّات، هاو كان ما حدا مدشّنن، هاو كنّا نخلّيهن عا جنب ببيتنا، بس يجينا ضيف من الضيعة، كنّا نستخدمن ونفرشن لضيوفنا. طلّعتن لأنّه الظروف كانت صعبة كتير، وما منقدر نأمّن مخدّة. والحمدلله أنا شلتُن عا رقبتي وعا راسي ونقلتن عا مكان ما كنّا مقيمين.

آخر شي، بدّي قول إنّه المرا لعبت دور مثالي بسدّ الهفوات والثغرات اللّي بتبقى أحيانًا ناجمة عن غياب الرجل. لأن أنا والدي كان رجّال كبير وتعبان، وعندي أخ كان بيركض ورا لقمة عيشنا. 

تِنْذِكر وما تنعاد، معاناة الأسرة بلبنان هيّي معاناة تاريخيّة، وما كانت وليدة الحرب اللبنانيّة، في جزء منها صحيح، الحرب تركت آثار على الأسرة اللبنانيّة، لكن هيّي معاناة تاريخيّة.